قوله تعالى : { قل } ، يا محمد لهؤلاء المكذبين المستهزئين .
قوله تعالى : { سيروا في الأرض } ، معتبرين ، يحتمل هذا : السير بالعقول والفكر ، ويحتمل السير بالأقدام .
قوله تعالى : { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ، أي : جزاء أمرهم ، وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك ، فحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية .
ثم قال : { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } أي : فكروا في أنفسكم ، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله{[10581]} وعاندوهم ، من العذاب والنكال ، والعقوبة في الدنيا ، مع ما ادَّخَر لهم من العذاب الأليم في الآخرة ، وكيف نَجَّى رسله وعباده المؤمنين .
{ قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ ثُمّ انْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأنداد المكَذّبينَ بك الجاحدين حقيقة ما جئتم به من عندي : سِيرُوا فِي الأرْضِ يقول : جولوا في بلاد المكذبين رسلهم الجاحدين آياتي من قبلهم من ضُرَبائهم وأشكالهم من الناس . ثُمّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ المْكَذّبِينَ يقول : ثم انظروا كيف أعقبهم تكذيبهم ذلك الهلاك والعطب وخزي الدنيا وعارها ، وما حلّ بهم من سخط الله عليهم من البور وخراب الديار وعفوّ الاَثار . فاعتبروا به ، إن لم تنهكم حلومكم ، ولم تزجركم حجج الله عليكم ، فما أنتم مقيمون عليه من التكذيب ، فاحذروا مثل مصارعهم واتقوا أن يحلّ بكم مثل الذي حلّ بهم . وكان قتادة يقول في ذلك بما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ المْكَذّبِينَ دمر الله عليهم وأهلكهم ثم صيرهم إلى النار .
هذه الجملة وزانها وزان البيان لمضمون الجملة التي قبلها ولذلك فصلت ، فإنّ الجملة التي قبلها تخبر بأنّ الذين استهزأوا بالرسل قد حاق بهم عواقب استهزائهم ، وهذه تّحدوهم إلى مشاهدة ديار أولئك المستهزئين . وليس افتتاح هذه الجملة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم منافياً لكونها بياناً لأنّه خوطب بأن يقول ذلك البيان . فالمقصودُ ما بعد القول .
وافتتاحها بالأمر بالقول لأنّها واردة مورد المحاورة على قولهم { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 1 ] .
وهذه سلسلة ردود وأجوبة على مقالتهم المحكية آنفاً لتضمّنها التصميم على الشرك وتكذيب الرسالة ، فكانت منحلّة إلى شبه كثيرة أريد ردّها وتفنيدها فكانت هاته الردود كلّها مفتتحة بكلمة { قل } ) عشر مرات .
و { ثم } للتراخي الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل ، فإنّ النظر في عاقبة المكذّبين هو المقصد من السير ، فهو ممّا يُرتقى إليه بعد الأمر بالسير ، ولأنّ هذا النظر محتاج إلى تأمّل وترسّم فهو أهمّ من السير .
والنظر يحتمل أن يكون بصرياً وأن يكون قلبياً ، وعلى الاحتماليين فقد علّقه الاستفهام عن نصب مفعوله أو مفعوليه . و { كيف } خبر لِ { كان } مقدّم عليها وجوباً .
والعاقبة آخر الشيء ومآله وما يعقبه من مسبّباته . ويقال : عاقبة وعقبى ، وهي اسم كالعافية والخاتمة .
وإنّما وصفوا بِ { المكذّبين } دون المستهزئين للدلالة على أنّ التكذيب والاستهزاء كانا خلقين من أخُلاقهم ، وأنّ الواحد من هذين الخلقين كاف في استحقاق تلك العاقبة ، إذ قال في الآية السابقة { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } [ الأنعام : 10 ] وقال في هذه الآية { كيف كان عاقبة المكذّبين } .
وهذا ردّ جامع لدحض ضلالاتهم الجارية على سنن ضلالات نظرائهم من الأمم السالفة المكذّبين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.