84- أكد الله وحدة الألوهية والرسالة ، فأمر نبيه ومن معه بأن يقولوا صدَّقْنا بالله المعبود وحده ، ومرسل رسله ، وآمنا بما أنزل الله علينا من القرآن والشريعة ، وما نزَّله من كتب وشرائع على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولاده الأسباط الإثني عشر ، وما أنزل الله على موسى من التوراة وعيسى من الإنجيل ، وما أنزل على سائر النبيين لا فرق في الإيمان بين أحد منهم . ونحن بذلك قد أسلمنا وجهنا لله .
ولما كانت الأمة المسلمة - المسلمة حقا لا جغرافية ولا تاريخا ! - هي الأمة المدركة لحقيقة العهد بين الله ورسله . وحقيقة دين الله الواحد ومنهجه ، وحقيقة الموكب السني الكريم الذي حمل هذا المنهج وبلغه ، فإن الله يأمر نبيه [ ص ] أن يعلن هذه الحقيقة كلها ؛ ويعلن إيمان أمته بجميع الرسالات ، واحترامها لجميع الرسل ، ومعرفتها بطبيعة دين الله ، الذي لا يقبل الله من الناس سواه :
( قل : آمنا بالله ، وما أنزل علينا ، وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، والنبيون من ربهم . لا نفرق بين أحد منهم . ونحن له مسلمون . ومن يبتغ غير الإسلامدينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) . .
هذا هو الإسلام في سعته وشموله لكل الرسالات قبله ، وفي ولائه لكافة الرسل حملته . وفي توحيده لدين الله كله ، ورجعه جميع الدعوات وجميع الرسالات إلى أصلها الواحد ، والإيمان بها جملة كما أرادها الله لعباده .
ومما هو جدير بالالتفات في الآية القرآنية الأولى هنا هو ذكرها الإيمان بالله وما أنزل على المسلمين - وهو القرآن - وما أنزل على سائر الرسل من قبل ، ثم التعقيب على هذا الإيمان بقوله :
فهذا الإقرار بالإسلام له مغزاه . بعد بيان أن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والطاعة واتباع الأمر والنظام والمنهج والناموس . كما يتجلى في الآية قبلها( أفغير دين الله يبغون ، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) . . فظاهر أن إسلام الكائنات الكونية هو إسلام الخضوع للأمر ، واتباع النظام ، وطاعة الناموس . . ومن ثم تتجلى عناية الله - سبحانه - ببيان معنى الإسلام وحقيقته في كل مناسبة . كي لا يتسرب إلى ذهن أحد أنه كلمة تقال باللسان ، أو تصديق يستقر في القلب ، ثم لا تتبعه آثاره العملية من الاستسلام لمنهج الله ، وتحقيق هذا المنهج في واقع الحياة .
ثم قال تعالى : { قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ عَلَيْنَا } يعني : القرآن { وَمَا أُنزلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي : من الصحف والوحي : { وَالأسْبَاطِ } وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - هو يعقوب - الاثني عشر . { وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى } يعني : بذلك التوراة والإنجيل { وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ } وهذا يَعُم جميعَ الأنبياء جملة { لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } يعني : بل نؤمن بجميعهم { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل ، وبكل كتاب أنزل ، لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم مُصَدِّقون{[5277]} بما أنزل من عند الله ، وبكل نبي بعثه الله .
{ قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم } أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإيمان ، والقرآن كما هو منزل عليه بتوسط تبليغه إليهم وأيضا المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم ، أو بأن يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له ، والنزول كما يعدى بإلى لأنه ينتهي إلى الرسل يعدى بعلى لأنه من فوق ، وإنما قدم المنزل صلى الله عليه وسلم على المنزل على سائر الرسل لأنه المعرف له والعيار عليه { لا نفرق بين أحد منهم } بالتصديق والتكذيب . { ونحن له مسلمون } منقادون أو مخلصون في عبادته .
المخاطب بفعل قل هو النبي صلى الله عليه وسلم ليقول ذلك بمسمع من الناس : مسلمهم ، وكافرهم ، ولذلك جاء في هذه الآية قوله : { وما أنزل علينا } أي أنزل عليّ لتبليغكم فجعل إنزاله على الرسول والأمة لاشتراكهم في وجوب العمل بما أنزل ، وعدّى فعل ( أنزل ) هنا بحرف ( على ) باعتبار أنّ الإنزال يقتضي علوّاً فوصول الشيء المنزَل وصول استعلاء وعدّي في آية سورة البقرة بحرف ( إلى ) باعتبار أنّ الإنزال يتضمن الوصول وهو يتعدّى بحرف ( إلى ) . والجملة اعتراض . واستئناف : لتلقين النبي عليه السلام والمسلمين كلاماً جامعاً لمعنى الإسلام ليدوموا عليه ، ويعلن به للأمم ، نشأ عن قوله : { أفغير دين الله يبغون } [ آل عمران : 83 ] .
ومعنى : { لا نفرق بين أحد منهم } أننا لا نعادي الأنبياء ، ولا يحملنا حبّ نبيئنا على كراهتهم ، وهذا تعريض باليهود والنصارى ، وحذف المعطوف وتقديره لا نفرق بين أحد وآخر ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة . وهذه الآية شعار الإسلام وقد قال الله تعالى : { وتؤمنون بالكتاب كله } [ آل عمران : 119 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.