في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (84)

65

ولما كانت الأمة المسلمة - المسلمة حقا لا جغرافية ولا تاريخا ! - هي الأمة المدركة لحقيقة العهد بين الله ورسله . وحقيقة دين الله الواحد ومنهجه ، وحقيقة الموكب السني الكريم الذي حمل هذا المنهج وبلغه ، فإن الله يأمر نبيه [ ص ] أن يعلن هذه الحقيقة كلها ؛ ويعلن إيمان أمته بجميع الرسالات ، واحترامها لجميع الرسل ، ومعرفتها بطبيعة دين الله ، الذي لا يقبل الله من الناس سواه :

( قل : آمنا بالله ، وما أنزل علينا ، وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ، وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، والنبيون من ربهم . لا نفرق بين أحد منهم . ونحن له مسلمون . ومن يبتغ غير الإسلامدينا فلن يقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) . .

هذا هو الإسلام في سعته وشموله لكل الرسالات قبله ، وفي ولائه لكافة الرسل حملته . وفي توحيده لدين الله كله ، ورجعه جميع الدعوات وجميع الرسالات إلى أصلها الواحد ، والإيمان بها جملة كما أرادها الله لعباده .

ومما هو جدير بالالتفات في الآية القرآنية الأولى هنا هو ذكرها الإيمان بالله وما أنزل على المسلمين - وهو القرآن - وما أنزل على سائر الرسل من قبل ، ثم التعقيب على هذا الإيمان بقوله :

( ونحن له مسلمون ) . .

فهذا الإقرار بالإسلام له مغزاه . بعد بيان أن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والطاعة واتباع الأمر والنظام والمنهج والناموس . كما يتجلى في الآية قبلها( أفغير دين الله يبغون ، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) . . فظاهر أن إسلام الكائنات الكونية هو إسلام الخضوع للأمر ، واتباع النظام ، وطاعة الناموس . . ومن ثم تتجلى عناية الله - سبحانه - ببيان معنى الإسلام وحقيقته في كل مناسبة . كي لا يتسرب إلى ذهن أحد أنه كلمة تقال باللسان ، أو تصديق يستقر في القلب ، ثم لا تتبعه آثاره العملية من الاستسلام لمنهج الله ، وتحقيق هذا المنهج في واقع الحياة .