البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (84)

{ قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } هذه الآية موافقة لما في البقرة إلاَّ في : قل ، وفي : علينا ، وفي : عيسى والنبيون ، وقد تقدّم شرح ما في البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلاَّ ما وقع فيه الخلاف ، فنقول : الظاهر في : قل ، أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يخبر عن نفسه وعن أمته بقوله : آمنا به ، ويقوي أنه إخبار عنه وعن أمته قوله أخيراً : ونحن له مسلمون .

وأفرده بالخطاب بقوله : قل ، لأنه تقدّم ذكره في أخذ الميثاق في قوله : ثم جاءكم رسول ، فعينه في هذا التكليف ليظهر فيه كونه مصدّقاً لما مع الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق .

وقال : آمنا ، تنبيهاً على أن هذا التكليف ليس من خواصه ، بل هو لازم لكل المؤمنين .

قال تعالى : { كل آمن بالله } بعد قوله : { آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون }

قال الزمخشري ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالاً من الله لقدر نبيه وقال ابن عطية : المعنى قل يا محمد ، أنت وأمتك : آمنا بالله ، فيظهر من كلام ابن عطية أن ثم معطوفاً حذف ، وأن ثم الأمر متوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمته .

وأما تعدية أنزل ، هنا : بعلى ، وفي البقرة بإلى فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها .

وقال الزمخشري : فإن قلت لم عدَّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء ، وفيما تقدّم من مثلها بحرف الانتهاء ؟ .

قلت لوجود المعنيين جميعاً ، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر .

وقال الراغب : إنما قال هنا : على ، لأن ذلك لما كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان واصلاً إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به ، وهناك ، لما كان خطاباً للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان لفظ : إلى ، المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : أنزل عليه إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره ، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه .

وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } وقال : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } خص هنا : بإلى ، لما كان مخصوصاً بالذكر الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب .

انتهى كلامه .

وذكر الزمخشري أن : من قال هذا الفرق فقد تعسف ، قال : ألا ترى إلى قوله : { بما أنزل إليك } { وأنزلنا إليك الكتاب } وإلى قوله : { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا } انتهى .

وأما إعادة لفظ : وما أوتي ، فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاماً ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، ولما كان الخطاب هنا خاصاً اكتفى فيه بالإيجاز .

/خ91