غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ} (84)

81

أما وجه التوحيد في { قل } فظاهر ، بناء على ما قلنا . وأما وجه الجمع في { آمنا } فلتشريف أمته بانضمامهم معه في سلك الإخبار عن الإيمان ، أو ليعلم أن هذا التكليف ليس من خواصه وإنما هو لازم لجميع المؤمنين كقوله :{ والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته }[ البقرة :285 ] أو لإجلال قدر نبيه حيث أمر أن يتكلم عن نفسه كما يتكلم العظماء والملوك . وقدم الإيمان بالله لأنه أصل جميع العقائد ، ثم ذكر الإيمان بما أنزل الله إليه لأن كتب سائر الأنبياء محرفة لا سبيل إلى معرفة أحوالها إلا بالفرقان المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر الإيمان بما أنزل على مشاهير الأنبياء إذ لا سبيل إلى حصر الكل ، وفي ذلك تنبيه على سوء عقيدة أهل الكتاب حيث فرقوا بين الأنبياء فصدقوا بعضاً وكذبوا بعضاً ، ورمز إلى أنهم ليسوا من الدين في شيء حيث خالفوا مقتضى الميثاق . ثم إن قلنا إنه تعالى أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بكل رسول جاء بعده كما ذهب إليه الجمهور في تفسير قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } [ آل عمران :81 ] فههنا قد أخذ الميثاق على محمد صلى الله عليه وسلم بأن يؤمن بكل رسول كان قبله ولم يؤخذ عليه الميثاق لمن يأتي بعده فيكون في الآية دليل على أنه لا نبي بعده .

واعلم أن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل فيجوز أن يعدّى أنزل ب " على " تارة كما في هذه الآية ، وبحرف الانتهاء أخرى كما في البقرة . فنطق القرآن بالاعتبارين جميعاً .

وقيل : عُدي هناك ب " إلى " لمكان { قولوا } فإن الوحي يأتي الأمة بطريق الانتهاء ، وعدي ههنا ب " على " لمكان { قل } فإن الرسول يأتيه الوحي بطريق الاستقلال وزيفه في الكشاف بقوله تعالى :{ وأنزلنا إليك الكتاب }[ المائدة : 48 ] وبقوله :{ آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا }

[ آل عمران :72 ] . والإنصاف أن هذا القائل لم يدع أن هذه المناسبة يجب اعتبارها في كل موضع وإنما ادعى اعتبارها في الموضعين فيصلح حجة للتخصيص والله أعلم . { ونحن له مسلمون } فائدة تقديم الجار أن يعلم أن هذا الإذعان والإيمان والاستسلام لا غرض فيه إلا وجه الله دون شيء آخر من طلب المال والجاه ، بخلاف أحبار اليهود الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً فليسوا من الإسلام في شيء .