يؤيد هذا ويتناسق معه قوله بعد عرض هذه المشاهد والأحداث : ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . . أي ما فعلته أولا وما فعلته أخيرا . أو ما فعلته في الدنيا ، وما تركته وراءها من آثار فعلها . أو ما استمتعت به في الدنيا وحدها ، وما ادخرته للآخرة بعدها .
على أية حال سيكون علم كل نفس بهذا مصاحبا لتلك الأهوال العظام . وواحدا منها مروعا لها كترويع هذه المشاهد والأحداث كلها !
والتعبير القرآني الفريد يقول : ( علمت نفس ) . . وهو يفيد من جهة المعنى : كل نفس . ولكنه أرشق وأوقع . . كما أن الأمر لا يقف عند حدود علمها بما قدمت وأخرت . فلهذا العلم وقعه العنيف الذي يشبه عنف تلك المشاهد الكونية المتقلبة . والتعبير يلقي هذا الظل دون أن يذكره نصا . فإذا هو أرشق كذلك وأوقع !
وجملة : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } جوابٌ لما في { إذا } من معنى الشرط ، ويتنازع التعلق به جميع ما ذكر من كلمات { إذا } الأربع . وهذا العلم كناية عن الحساب على ما قدمت النفوس وأخرت .
وعِلم النفوس بما قدمت وأخرت يحصل بعد حصول ما تضمنته جمل الشرط ب { إذا } إذ لا يلزم في ربط المشروط بشرطه أن يكون حصوله مقارناً لحصول شرطه لأنّ الشروط اللغوية أسباب وأمارات وليست عِللاً ، وقد تقدم بيان ذلك في سورة التكوير .
صيغة الماضي في قوله : { انفطرت } وما عطف عليه مستعملة في المستقبل تشبيهاً لتحقيق وقوع المستقبل بحصول الشيء في الماضي .
وإثبات العلم للناس بما قدموا وأخروا عند حصول تلك الشروط لعدم الاعتداد بعلمهم بذلك الذي كان في الحياة الدنيا ، فنزل منزلة عدم العلم كما تقدم بيانه في قوله : { علمت نفس ما أحضرت } في سورة التكوير ( 14 ) .
و{ نفس } مراد به العموم على نحو ما تقدم في : { علمت نفس ما أحضرت } في سورة التكوير ( 14 ) .
و{ ما قدمت وأخرت } : هو العمل الذي قدمتْه النفس ، أي عملته مقدماً وهو ما عملته في أول العمر ، والعملُ الذي أخرته ، أي عملته مؤخراً أي في آخر مدة الحياة ، أو المراد بالتقديم المبادرة بالعمل ، والمراد بالتأخير مقابله وهو ترك العمل .
والمقصود من هذين تعميم التوقيف على جميع ما عملته ومثله قوله تعالى : { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } في سورة لا أقسم بيوم القيامة ( 13 ) .
والعلم يتحقق بإدراك ما لم يكن معلوماً من قبل وبتذكر ما نُسي لطول المدة عليه كما تقدم في نظيره في سورة التكوير . وهذا وعيد بالحساب على جميع أعمال المشركين ، وهم المقصود بالسورة كما يشير إليه قوله بعد هذا : { بل تكذبون بالدين } [ الانفطار : 9 ] ، ووعد للمتقين ، ومختلط لمن عملوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.