المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

10- ولقد سَخِرَ الكفار كثيراً برسل من قبلك - أيها النبي - فأحاط بالساخرين العذاب الذي أنذرهم به رسلهم ، وقد جعلوه موضع سخريتهم من قبل .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

قوله تعالى : { ولقد استهزئ برسل من قبلك } ، كما استهزئ بك يا محمد فعزى نبيه صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { فحاق } . قال الربيع بن أنس : فنزل ، وقال عطاء : حل ، وقال الضحاك : أحاط .

قوله تعالى : { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } ، أي : جزاء استهزائهم من العذاب والنقمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

وتنتهي هذه الموجة بعرض ما وقع للمستهزئين بالرسل . ودعوة المكذبين إلى تدبر مصارع أسلافهم ، والسير في الأرض لرؤية هذه المصارع ؛ الناطقة بسنة الله في المستهزئين المكذبين :

( ولقد استهزئ برسل من قبلك ، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون . قل : سيروا في الأرض ، ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) . .

إن هذه اللفتة - بعد ذكر إعراضهم عنادا وتعنتا ؛ وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة ؛ وما في عدم الاستجابة لهذه المقترحات من رحمة من الله وحلم - لترمي إلى غرضين ظاهرين :

الأول : تسلية رسول الله [ ص ] والتسرية عنه ، مما يلقاه من عناد المعرضين ، وعنت المكذبين ؛ وتطمين قلبه [ ص ] إلى سنة الله سبحانه في أخذ المكذبين لمستهزئين بالرسل ؛ وتأسيته كذلك بأن هذا الإعراض والتكذيب ليس بدعا في تاريخ الدعوة إلى الحق . فقد لقي مثله الرسل قبله ؛ وقد لقي المستهزئون جزاءهم الحق وحاق بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب ، ومن غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف . .

والثاني : لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع أسلافهم من المكذبين المستهزئين : وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم إن هم لجوا في الاستهزاء والسخرية والتكذيب . وقد أخذ الله - من قبلهم - قرونا كانت أشد منهم قوة وتمكينا في الأرض ؛ وأكثر منهم ثراء ورخاء ، كما قال لهم في مطلع هذه الموجة ؛ التي ترج القلوب رجا بهذه رجا بهذه اللفتات الواقعية المخيفة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

وقوله : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } هذا تسلية لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله : هوّن عليك يا محمد ما أنت لا ق من هؤلاء المستهزئين بك المستخفين بحقك فيّ وفي طاعتي ، وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي فإنهم إن تمادوا في غيهم وأصرّوا على المقام على كفرهم ، نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم غيرهم من تعجيل النقمة لهم وحلول المثلاث بهم ، فقد استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك ، وفعلوا مثل فعل قومك بك ، فَحَاقَ بالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ يعني بقوله : فحاقَ فنزل وأحاط بالذين هزئوا برسلهم وما كانُوا بِهِ يَسْتهْزِئُونَ يقول : العذاب الذي كانوا يهزءون به وينكرون أن يكون واقعا بهم على ما أنذرتهم رسلهم . يقال منه : حاق بهم هذا الأمر يَحِيقُ بهم حَيْقا وحُيُوقا وحَيَقانا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَحاقَ بالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ من الرسل ، ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ يقول : وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

قرىء «ولقد » بضم الدال مراعاة للضمة بعد الساكن الذي بعد الدال ، وقرىء بكسر الدال على عرف الالتقاء ، وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بالأسوة في الرسل وتقوية لنفسه على محاجّة المشركين وإخبار يتضمن وعيد مكذبيه والمستهزئين ، و «حاق » معناه نزل وأحاط ، وهي مخصوصة في الشر ، يقال حاق يحيق حيقاً ومنه قول الشاعر :

فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم *** وحاق بهم من بأس ضبة حائق{[4832]}

وقال قوم : أصل حاق حق فبدلت القاف الواحدة كما بدلت النون في تظننت{[4833]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، و { ما } في قوله : { ما كانوا } يصح أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر ، كأنه قال : استهزاؤهم ، وهذا كناية عن العقوبة كما تهدد إنساناً فتقول سيلحقك عملك ، المعنى عاقبته ، وسخروا معناه استهزؤوا .


[4832]:- لم نعثر على قائل هذا البيت في المراجع التي بين أيدينا، ولم يستشهد به من المفسرين إلا صاحب "البحر المحيط"، والفرس الأجرد: القصير الشعر، وإذا وصف بذلك فالمعنى أنه سبّاق، وعقر الدار: وسطها. والحيق: ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء عمل يعمله فينزل ذلك به، ومنه قوله عز وجل: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، ومن حديث أبي بكر رضي الله عنه: "أخرجني ما أجد من حاق الجوع"، وحديث علي كرم الله وجهه: "تخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر".
[4833]:- فقيل فيها: تظنيت- وقد قال ابن عطية: "وهذا ضعيف" لأنها دعوى لا دليل على صحتها كما قال أبو حيان في "البحر".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

عطف على جملة : { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } لبيان تفنّنهم في المكابرة والعناد تصلّباً في شركهم وإصراراً عليه ، فلا يتركون وسيلة من وسائل التنفير من قبول دعوة الإسلام إلاّ توسّلوا بها . ومناسبة عطف هذا الكلام على قوله : { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } أنّهم كانوا في قولهم ذلك قاصدين التعجيز والاستهزاء معاً ، لأنّهم ما قالوه ألاّ عن يقين منهم أنّ ذلك لا يكون ، فابتدىء الردّ عليهم بإبطال ظاهر كلامهم بقوله : { ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } . ثم ثنّى بتهديدهم على ما أرادوه من الاستهزاء ، والمقصود مع ذلك تهديدهم بأنّهم سيحيق بهم العذاب وأنّ ذلك سنة الله في كلّ أمّة استهزأت برسول له .

فقوله : { ولقد استهزىء برسل من قبلك } يدلّ على جملة مطوية إيجازاً ، تقديرها : واستهزأوا بك ولقد استهزأ أمم برسل من قبلك ، لأنّ قوله من { قبلك } ، لأنّ قوله من { قبلك } يؤذن بأنّه قد استهزىء به هو أيضاً وإلاّ لم تكن فائدة في وصف الرسل بأنّهم من قبله لأنّ ذلك معلوم . وحُذف فاعل الاستهزاء فبنى الفعل إلى المجهول لأنّ المقصود هنا هو ترتّب أثر الاستهزاء لا تعيين المستهزئين .

واللام للقسم ، و { قد } للتحقيق ، وكلاهما يدلّ على تأكيد الخبر . والمقصود تأكيده باعتبار ما تفرّع عنه ، وهو قوله : { فحاق بالذين سخروا } الخ ، لأنّ حال المشركين حال من يتردّد في أنّ سبب هلاك الأمم السالفة هو الاستهزاء بالرسل ، إذ لولا تردّدهم في ذلك لأخذوا الحيطة لأنفسهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، الذي جاءهم فنظروا في دلائل صدقه وما أعرضوا ، ليستبرئوا لأنفسهم من عذاب متوقّع ، أو نزّلوا منزلة المتردّد إن كانوا يعلمون ذلك لعدم جريهم على موجب علمهم . واستهزاؤهم له أفانين ، منها قولهم : { لولا أنزل عليه ملك } .

ومعنى الاستهزاء تقدّم عند قوله تعالى : { إنّما نحن مستهزئون } في سورة البقرة . وهو مرادف للسخرية في كلام أئمّة اللغة ، فذكر { استهزىء } أولاً لأنّه أشهر ، ولمّا أعيد عبّر ب { سخروا } ، ولمّا أعيد ثالث مرّة رّجع إلى فعل { يستهزئون } ، لأنّه أخفّ من ( يسخرون ) . وهذا من بديع فصاحة القرآن المعجزة .

و { سخروا } بمعنى هزأوا ، ويتعدّى إلى المفعول ب { من } ، قيل : لا يتعدّى بغيرها . وقيل : يتعدّى بالباء . وكذا الخلاف في تعدية هزأ واستهزأ . والأصحّ أنّ كلا الفعلين يتعدّى بحرف ( من ) والباء ، وأنّ الغالب في ( هزأ ) أن يتعدّى بالباء ، وفي { سخر } أن يتعدّى ب { من } . وأصل مادّة { سخر } مؤذن بأنّ الفاعل اتّخذ المفعول مسخّراً يتصرف فيه كيف شاء بدون حرمة لشدّة قرب مادّة { سخر } المخفّف من مادّة التسخير ، أي التطويع فكأنّه حوّله عن حقّ الحرمة الذاتية فاتّخذ منه لنفسه سخرية .

وفعل { حاق } اختلف أئمَّة اللغة في معناه . فقال الزجّاج : هو بمعنى أحاط ، وتبعه الزمخشري ، وفسّره الفرّاء بمعنى عاد عليه .

وقال الراغب : أصله حقّ ، أي بمعنى وجب ، فأبدل أحد حرفي التضعيف حرف علّة تخفيفاً ، كما قالوا تظنّي في تظنّن ، أي وكما قالوا : تقضّى البازي ، بمعنى تقضّض . والأظهر ما قاله أبو إسحاق الزجّاج .

واختير فعل الإحاطة للدلالة على تمكّن ذلك منهم وعدم إفلاته أحداً منهم .

وإنّما جيء بالموصول في قوله : { بالذين سخروا } ولم يقل بالساخرين للإيماء إلى تعليل الحكم ، وهو قوله { فحاق } .

و { منهم } يتعلّق ب { سخروا } ، والضمير المجرور عائد إلى الرسل ، لزيادة تقرير كون العقاب لأجلهم ترفيعاً لشأنهم . و { ما } في قوله : { ما كانوا به يستهزئون } موصولة . والباء في { به } لتعدية فعل الاستهزاء . ووجود الباء مانع من جعل { ما } غير موصولة . وهو ما أطال التردّد فيه الكاتبون .

والمراد ب { ما كانوا به يستهزئون } ما أنذرهم الرسل به من سوء العاقبة وحلول العذاب بهم ، فحصل بذلك فائدة أخرى ، وهي أنّ المستهزئين كانوا يستهزئون بالرسل وخاصّة بما ينذرونهم به من حلول العذاب إن استمّروا على عدم التصديق بما جاءوا به . فاستهزاؤهم بما أنذروا به جعل ما أنذروا به كالشخص المهزوء به إذا جعلنا الباء للتعدية ، أو استهزاؤهم بالرسل بسبب ما أنذروهم به إذا جعلت الباء للسببية .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد استهزئ برسل من قبلك}، وذلك أن مكذبي الأمم الخالية، أخبرتهم رسلهم بالعذاب فكذبوهم، بأن العذاب ليس بنازل بهم، فلما كذب كفار مكة النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب حين أوعدهم استهزأوا منه، فأنزل الله يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، فقال: {ولقد استهزئ برسل من قبلك} يا محمد كما استهزئ بك في أمر العذاب، {فحاق}: فدار {بالذين سخروا منهم}: من الرسل، {ما كانوا به}: بالعذاب، {يستهزءون} بأنه غير نازل بهم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مسليا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله: هوّن عليك يا محمد ما أنت لاق من هؤلاء المستهزئين بك المستخفين بحقك فيّ وفي طاعتي، وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي فإنهم إن تمادوا في غيهم وأصرّوا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم غيرهم من تعجيل النقمة لهم وحلول المثلات بهم، فقد استهزأت أمم من قبلك برسل أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل فعل قومك بك، "فَحَاقَ بالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ"؛ يعني بقوله: فحاقَ: فنزل وأحاط بالذين هزئوا برسلهم "ما كانُوا بِهِ يَسْتهْزِئُونَ" يقول: العذاب الذي كانوا يهزأون به وينكرون أن يكون واقعا بهم على ما أنذرتهم رسلهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي سَبَقَكَ -يا محمد- مَنْ كُذِّب به كما كُذِّبْتَ، فحقَّ لهم نصرنا، فانتقمنا ممن ناؤوهم، فعاد إليهم وبالُ كيدهم.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

ثم عزى الله نبيه عليه السلام بقوله {ولقد استهزئ برسل من قبلك} وكذبوا ونسبوا إلى السحر {فحاق}: فحل ونزل {بالذين سخروا} من الرسل {ما كانوا به يستهزؤون} من العذاب وينكرون وقوعه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «حاق»: نزل وأحاط، وهي مخصوصة في الشر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... اعلم أن بعض الأقوام الذين كانوا يقولون إن رسول الله يجب أن يكون ملكا من الملائكة كانوا يقولون هذا الكلام على سبيل الاستهزاء، وكان يضيق قلب الرسول عند سماعه، فذكر ذلك ليصير سببا للتخفيف عن القلب لأن أحدا ما يخفف عن القلب المشاركة في سبب المحنة والغم. فكأنه قيل له إن هذه الأنواع الكثيرة من سوء الأدب التي يعاملونك بها قد كانت موجودة في سائر القرون مع أنبيائهم، فلست أنت فريدا في هذا الطريق. وقوله {فحاق بالذين سخروا منهم} الآية ونظيره قوله {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}... وفي الآية بحث آخر وهو أن لفظة (ما) في قوله {ما كانوا به يستهزءون} فيها قولان: الأول: أن المراد به القرآن والشرع وهو ما جاء به محمد عليه السلام. وعلى هذا التقدير فتصير هذه الآية من باب حذف المضاف، والتقدير فحاق بهم عقاب ما كانوا به يستهزؤون. والقول الثاني: أن المراد به أنهم كانوا يستهزؤون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى هذا الإضمار.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

.. هذا تسلية لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما قطع الرجاء لهداية من حكم بشقاوته، وكان طلبهم لإنزال الملك ونحوه إنما هو على سبيل التعنت و الاستهزاء، وكان ذلك يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين رضي الله عنهم غاية المشقة، التفتت النفس إلى الإراحة منهم وتوقعته لما تقدم من مظاهر العظمة، فأخبره أنه فاعل ذلك في سياق متكفل بتسليته، وأن ذلك لم يزل سنته فيمن فعل فعلهم، فقال -عاطفاً على قوله (فسوف يأتيهم أنباؤا} [الأنعام: 5] -: {ولقد} أي هذا منهم إنما هو استهزاء بك {ولقد استهزئ} أي أوقع الهزء وأوجد من الأمم، وبني للمفعول لأن المنكي الاستهزاء، لا كونه من معين، وإشارة إلى أنه كان يقع لهم ذلك من الأعلى والأدنى {برسل).

ولما كان القرب في الزمن في مثل هذا مما يسلي، وكان كل من الاستهزاء والإرسال لم يستغرق الزمن، أدخل الجار فقال: {من قبلك} فأهلكنا من هزأ بهم، وهو معنى {فحاق} أي فأحاط {بالذين سخروا منهم} أي من أولئك الرسل {ما كانوا به يستهزئون} أي من العذاب الذي كانوا يتوعدون به، وكان سبباً لهزئهم.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

بعد أن بين الله تعالى لخاتم رسله سنته في شبهات الكفار المعاندين على الرسالة، وإصرارهم الجحود والتكذيب بعد إعطائهم الآيات التي كانوا يقترحونها وعقابه تعالى إياهم على ذلك – بين له شأنا آخر من شؤون أولئك الكفار مع رسلهم وسنته تعالى في عقابهم عليه فقال: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون (10)} ظاهر كلام نقلة اللغة أن الهزء (بضمتين وبضم فسكون) والاستهزاء بمعنى السخرية، وأن قولهم هزئ به واستهزأ به مرادف لقولهم سخر منه، ويفهم من كلام بعض المدققين أن الحرفين متقاربا المعنى ولكن بينهما فرقا لا بمنع من استعمال كل منهما حيث يستعمل الآخر كثيرا، قال الراغب: الهزؤ مزح في خفية، وقد يقال لما هو كالمزح فمما قصد به المزح قوله: {واتخذوها هزوا ولعبا} [المائدة: 58] {وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا} [الجاثية: 9] {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا} [الفرقان: 41]... والاستهزاء ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبر به تعاطي الهزؤ. كالاستجابة في كونها ارتيادا للإجابة وإن كان قد يجري مجرى الإجابة إدالة الدولة.

وقد كان جزاء المستهزئين بمن قبله من الرسل عذاب الخزي بالاستئصال، ولكن الله كفاه المستهزئين به فأهلكهم ولم يجعلهم سببا لهلاك قومهم، وامتن عليه بذلك في سورة الحجر إذ قال: {إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر: 95] والمشهور أنهم خمسة من رؤساء قريش هلكوا في يوم واحد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وتنتهي هذه الموجة بعرض ما وقع للمستهزئين بالرسل. ودعوة المكذبين إلى تدبر مصارع أسلافهم، والسير في الأرض لرؤية هذه المصارع؛ الناطقة بسنة الله في المستهزئين المكذبين:

(ولقد استهزئ برسل من قبلك، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون. قل: سيروا في الأرض، ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين)..

إن هذه اللفتة -بعد ذكر إعراضهم عنادا وتعنتا؛ وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة؛ وما في عدم الاستجابة لهذه المقترحات من رحمة من الله وحلم- لترمي إلى غرضين ظاهرين:

الأول: تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه، مما يلقاه من عناد المعرضين، وعنت المكذبين؛ وتطمين قلبه صلى الله عليه وسلم إلى سنة الله سبحانه في أخذ المكذبين لمستهزئين بالرسل؛ وتأسيته كذلك بأن هذا الإعراض والتكذيب ليس بدعا في تاريخ الدعوة إلى الحق. فقد لقي مثله الرسل قبله؛ وقد لقي المستهزئون جزاءهم الحق وحاق بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب، ومن غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف..

والثاني: لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع أسلافهم من المكذبين المستهزئين: وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم إن هم لجوا في الاستهزاء والسخرية والتكذيب. وقد أخذ الله -من قبلهم- قرونا كانت أشد منهم قوة وتمكينا في الأرض؛ وأكثر منهم ثراء ورخاء، كما قال لهم في مطلع هذه الموجة؛ التي ترج القلوب رجا بهذه رجا بهذه اللفتات الواقعية المخيفة.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فبين سبحانه أن ذلك شان الدعاة المجاهدين في سبيله فهم ينالهم الاستهزاء وتواليهم أسباب الإيذاء فلا ينتظر أن يجيب الأقوام بمجرد دعوتهم بل ينالهم والمؤمنين أسباب الإيذاء المتوالي والاستهزاء المستمر، وكذلك الشأن في كل دعوة جديدة فليس محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل فيما يلقاه فكلهم استهزئ بدعوته...وهنا إشارتان بيانيتان: أولاهما: أن الله ذكر أنه يحيق بالذين سخروا ولم يقل بالساخرين للإشارة على أن ما يصابون به من العذاب إنما هو بسبب سخريتهم لأن التعبير بالموصول يفيد أن الصلة هي علة الحكم وللإشارة إلى أن العذاب نتيجة السخرية. ثانيهما: أنه تعالى قال: (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) وانما الذي حاق هو العذاب لا ذات السخرية ويقول العلماء: إن ذلك مجاز علاقته السببية فهو عبر بالسبب وأراد المسبب، وان ذلك يفيد أن العذاب ملازم لهذه السخرية لا ينفصل عنها فحيث كانت كان عذابها لا محالة...