إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (10)

{ وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ من قَبْلِكَ } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من قومه ، وفي تصدير الجملة بلام القسم وحرفِ التحقيق من الاعتناء به ما لا يخفى ، وتنوينُ ( رسل ) للتفخيم والتكثير ، و( من ) ابتدائية متعلقة بمحذوفٍ وقع صفةً لرسل ، أي وبالله لقد استهزئ برسل أولي شأنٍ خطيرٍ وذوي عددٍ كثير كائنين من زمانٍ قبلَ زمانك ، على حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مُقامَه { فَحَاقَ } عَقيبه أي أحاط أو نزل أو حلَّ أو نحوُ ذلك ، فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ، ولا يكاد يُستعمل إلا في الشر ، والحَيْق ما يشتمل على الإنسان من مكروهِ فِعْلِه وقوله تعالى : { بالذين سَخِرُوا مِنْهُمْ } أي استهزأوا بهم من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق ، وتقديمُه على فاعله الذي هو قوله تعالى : { ما كَانُوا بِهِ يستهزؤون } للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم ، و( ما ) إما موصولةٌ مفيدةٌ للتهويل ، أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزؤون به حيث أُهلكوا لأجله ، وإما مصدريةٌ أي فنزل بهم وَبالُ استهزائهم ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل لرعاية الفواصل .