قوله تعالى : { فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليهم فأقبلت امرأته في صرة } أي : صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني أخذ بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال الله تعالى : { قالت يا ويلتى }( هود-72 ) ، { فصكت وجهها } قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضرت جبينها تعجباً ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض . { وقالت عجوز عقيم } مجازه : أتلد عجوز عقيم ؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك .
( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . وقالت : عجوز عقيم ) . . وقد سمعت البشرى ، فبغتت وفوجئت ، فندت منها صيحة الدهش ، وعلى عادة النساء ضربت خديها بكفيها . وقالت : عجوز عقيم . تنبئ عن دهشتها لهذه البشرى وهي عجوز . وقد كانت من الأصل عقيما . وقد أخذتها المفاجأة العنيفة التي لم تكن تتوقعها أبدا ، فنسيت أن البشرى تحملها الملائكة ! عندئذ ردها المرسلون إلى الحقيقة الأولى . حقيقة القدرة التي لا يقيدها
وقوله : { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } أي : في صرخة عظيمة {[27440]} ورنة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها : { يَا وَيْلَتَا } { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } {[27441]} أي : ضربت بيدها على جبينها ، قاله مجاهد وابن{[27442]} سابط .
وقال ابن عباس : لطمت ، أي تعجبا كما تتعجب{[27443]} النساء من الأمر الغريب ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : كيف ألد وأنا عجوز [ عقيم ] {[27444]} ، وقد كنتُ في حال الصبا عقيما لا أحبل ؟ .
قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ يعني : سارّة ، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع ، ولا تحوّل من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني ، بمعنى : أخذ في شتمي . وقوله : فِي صَرّةٍ يعني : في صيحة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فِي صَرّةٍ يقول : في صيحة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَها يعني بالصرّة : الصيحة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فِي صَرّةٍ قال : صيحة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ : أي أقبلت في رنة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : صَرّةٍ قال : أقبلت ترنَ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي ، عن ابن سابَط ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ قال : في صيحة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ قال : الصرّة : الصيحة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول في قوله : فِي صَرّةٍ يعني : صيحة . وقد قال بعضهم : إنّ تلك الصيحة أوّه مقصورة الألف .
وقوله : فَصَكّتْ وَجْهَها اختلف أهل التأويل في معنى صكها ، والموضع الذي ضربته من وجهها ، فقال بعضهم : معنى صكها وجهها : لَطْمِها إياه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها يقول : لَطَمت .
وقال آخرون : بل ضربت بيدها جبهتها تعجبا . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما بَشّر جبريل سارَة بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ضربت جبهتها عجبا ، فذلك قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها قال : جبهتها .
حدثني ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم الياميّ ، عن ابن سابَط ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها قال : قالت هكذا وضرب سفيان بيده على جبهته .
قال : ثنا مهران عن سفيان فَصَكّتْ وَجْهَها وضعت يدها على جبهتها تعجبا ، والصكّ عند العرب : هو الضرب . وقد قيل : إن صكها وجهها ، أن جمعت أصابعها ، فضربت بها جبهتها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ يقول : وقالت : أتلد وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه ، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم ، وعنى بالعقيم : التي لا تلد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سليمان ، أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن مشاش ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : عَجُوزٌ عَقِيمٌ قال : لا تلد .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا رجل من أهل خراسان من الأزد ، يكنى أبا ساسان ، قال : سألت الضحاك ، عن قوله : عَقِيمٌ قال : التي ليس لها ولد .
وقوله تعالى : { فأقبلت امرأته } يحتمل أن يكون قربت إليهم من ناحية من نواحي المنزل ، ويحتمل أن يكون هذا الإقبال كما تقول : أقبل فلان يشتمني ، أو يفعل كذا إذا جد في ذلك وتلبس به ، والصرة : الصيحة ، كذا فسره ابن عباس ومجاهد وسفيان والضحاك ، والمضطر الذي يصيح وقال قتادة معناه : في رقة . وقال الطبري قال بعضهم : أوه{[10606]} ، بصياح وتعجب . قال النحاس : وقيل : { في صرة } في جماعة نسوة يتبادرن نظراً إلى الملائكة .
وقوله : { فصكت وجهها } ، معناه : ضربت وجهها ، قال ابن عباس : لطمت ، وهذا مما يفعله الذي يرد عليه أمر يستهوله . وقال سفيان والسدي ومجاهد معناه : ضربت بكفها جبهتها وهذا مستعمل في الناس حتى الآن . وقولها : { عجوز عقيم } ، إما أن يكون تقديره : أنا { عجوز عقيم } فكيف ألد ؟ وإما أن يكون التقدير : { عجوز عقيم } تكون منها ولادة ، وقدره الطبري : أتلد { عجوز عقيم } . ويروى أنها كانت لم تلد قط . والعقيم من النساء التي لا تلد ، ومن الرياح التي لا تلقح شجراً ، فهي لا بركة فيها .
كان النساء يحضرن مجالس الرجال في بيوتَهن مع أزواجهن ويواكلنهم . وفي « الموطأ » : قال مَالك : لا بأس أن تحضر المرأة مع زوجها وضيفِه وتأكل معهم .
والصَّرة : الصياح ، ومنه اشتق الصرير . و { في } للظرفية المجازية وهي الملابسة .
والصك : اللطم ، وصَكّ الوجه عند التعجب عادة النساء أيامئذٍ ، ونظيره وضع اليد على الفم في قوله تعالى : { فردُّوا أيديهم في أفواههم } [ إبراهيم : 9 ] .
وقولُها { عجوز عقيم } خبر محذوف ، أي أنا عجوز عقيم .
والعجوز : فعول بمعنى فاعل وهو يستوي في المذكر والمؤنث مشتق من العجز ويطلق على كبر السنّ لملازمة العجز له غالباً .
والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوف مؤنث ، مشتق من عَقمها الله ، إذا خلقها لا تحمل بجنين ، وكانت سارة لم تحمل قط .