في هذه الجنات يأتلف شملهم مع الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم . وهؤلاء يدخلون الجنة بصلاحهم واستحقاقهم . ولكنهم يكرمون بتجمع شتاتهم ، وتلاقي أحبابهم ، وهي لذة أخرى تضاعف لذة الشعور بالجنان .
وفي جو التجمع والتلاقي يشترك الملائكة في التأهيل والتكريم ، في حركة رائجة غادية :
( يدخلون عليهم من كل باب ) . .
ويدعنا السياق نرى المشهد حاضرا وكأنما نشهده ونسمع الملائكة أطوافا أطوافا :
القول في تأويل قوله تعالى : { جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىَ الدّارِ } .
يقول تعالى : جَنّاتُ عَدْنٍ ترجمة عن عقبى الدار ، كما يقال : نعم الرجل عبد الله ، فعبد الله هو الرجل المقول له : نعم الرجل ، وتأويل الكلام : أولئك لهم عقيب طاعتهم ربهم الدار التي هي جنات عدن . وقد بيّنا معنى قوله : «عدن » ، وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظَعْن معها .
وقوله : وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ يقول تعالى ذكره : جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم ، وهم الذين يوفون بعهد الله ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ، وأقاموا الصلاة ، وفعلوا الأفعال التي ذكرها جلّ ثناؤه في هذه الآيات الثلاث . وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهم وأزْوَاجِهِمْ وَهِيَ نِساؤُهُمْ وأهلوهم وذرّياتهم . وصلاحهم إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام . كما :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائهِمْ قال : من آمن في الدنيا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائهِمْ قال : من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم .
وقوله : وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهم مِنْ كُلّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ يقول : تعالى ذكره : وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الاَيات الثلاث في جنات عَدْن ، من كلّ باب منها ، يقولون لهم : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ على طاعة ربكم في الدنيا ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ . وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عليّ بن جرير ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن نافع بن عاصم ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : إن في الجنة قصرا يقال له عدن ، حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف باب ، على كلّ باب خمسة آلاف حِبَرة ، لا يدخله إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : جَنّاتُ عَدْنٍ قال : مدينة الجنة ، فيها الرسل والأنبياء والشهداء ، وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعدد الجنات حولها .
وحذف من قوله : وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهمْ مِنْ كُلّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ «يقولون » اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، كما حذف ذلك من قوله : وَلَوْ تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن بقية بن الوليد ، قال : ثني أرطأة بن المنذر ، قال : سمعت رجلاً من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج ، يقول : جلست إلى أبي أُمامة فقال : إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة ، وعنده سِماطان من خدم ، وعند طرف السّماطين سور ، فيُقبِل المَلَك يستأذن ، فيقول للذي يليه : ملك يستأذن ، ويقول الذي يليه : ملك يستأذن ، ويقول الذي يليه للذي يليه : ملك يستأذن ، حتى يبلغ المؤمن فيقول : ائذنوا فيقول : أقربهم إلى المؤمن ائذنوا ، ويقول الذي يليه للذي يليه : ائذنوا ، فكذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له ، فيدخل فيسلم ثم ينصرف .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إبراهيم بن محمد ، عن سهل بن أبي صالح ، عن محمد بن إبراهيم ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كلّ حول فيقول : «السّلامٌ عَلَيكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ » ، وأبو بكر وعمر وعثمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.