قوله تعالى : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } قال ابن مسعود : فراش من ذهب . وروينا في حديث المعراج عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم عرج بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، وأوحى إلي ما أوحي ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة " . وقال مقاتل : يغشاها الملائكة أمثال الغربان وقال السدي : من الطيور . وروي عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه أو غيره قال : غشيها نور الخلائق وغشيتها الملائكة من حب الله أمثال الغربان ، حين يقعن على الشجرة . قال : فكلمه عند ذلك ، فقال له : سل . وعن الحسن قال : غشيتها نور رب العزة فاستنارت . ويروى في الحديث : رأيت على كل ورقة منها ملكاً قائماً يسبح الله تعالى .
وقوله : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } التعامل في : { إذ } ، { رآه } . المعنى : رآه في هذه الحال . و { ما يغشى } معناه من قدرة الله ، وأنواع الصفات التي يخترعها لها ، وذلك منهم على جهة التفخيم والتعظيم ، وقال مجاهد تبدل أغصانها دراً وياقوتاً ونحوه . وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد : ذلك جراد من ذهب كان يغشاها . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب »{[10700]} . وقال الربيع وأبو هريرة : كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر ، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية ، لأن الله تعالى أبهم ذلك وهم يريدون شرحه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فغشيها ألوان لا أدري ما هي ؟ »{[10701]}
وقوله : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } ظرف مستقر في موضع الحال من { سدرة المنتهى } أريد به التنويه بما حفّ بهذا المكان المسمى سدرة المنتهى من الجلال والجمال . وفي حديث الإِسراء " حتى انتهَى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي » وفي رواية « غشيها نور من اللَّه ما يستطيع أحد أن ينظر إليها "
وما حصل فيه للنبي صلى الله عليه وسلم من التشريف بتلقّي الوحي مباشرة من الله دون واسطة الملَك ففي حديث الإِسراء « حتى ظَهرت بمستوىً أسمع فيه صريف الأقلام ففرض الله على أمتي خمسين صلاة » الحديث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إذْ يغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى "يقول تعالى ذكره: ولقد رآه نزلة أخرى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، فإذ من صلة رآه. واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة؛
فقال بعضهم: غَشِيَها فَرَاش الذهب...
وقال آخرون:... عن الربيع "إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى" قال: غشيها نور الربّ، وغشيتها الملائكة من حُبّ الله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقال بعضهم في قوله تعالى: {إذ يغشى السّدرة ما يغشى} من أمر الله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(إذ يغشى السدرة ما يغشى) معناه يغشى السدرة من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الأبصار ما ليس لوصفه منتهى...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَا يغشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله: أشياء لا يكتنهها النعت ولا يحيط بها الوصف...
وقد قيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب». وقال الربيع وأبو هريرة: كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟»
ما الذي غشى السدرة؟ نقول فيه وجوه:
(الأول) فراش أو جراد من ذهب وهو ضعيف، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي، فإن صح فيه خبر فلا يبعد من جواز التأويل، وإن لم يصح فلا وجه له.
(الثاني) الذي يغشى السدرة ملائكة يغشونها كأنهم طيور، وهو قريب، لأن المكان مكان لا يتعداه الملك، فهم يرتقون إليه متشرفين به متبركين زائرين، كما يزور الناس الكعبة فيجتمعون عليها.
(الثالث) أنوار الله تعالى، وهو ظاهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إليها تجلى ربه لها، كما تجلى للجبل، وظهرت الأنوار، لكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت، فجعل الجبل دكا، ولم تتحرك الشجرة، وخر موسى صعقا، ولم يتزلزل محمد.
(الرابع) هو مبهم للتعظيم، يقول القائل: رأيت ما رأيت عند الملك، يشير إلى الإظهار من وجه، وإلى الإخفاء من وجه.
{يغشى} يستر، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان، يقال فلا يغشاني كل وقت، أي يأتيني، والوجهان محتملان...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وصيغةُ المضارعِ لحكايةِ الحالِ الماضيةِ استحضاراً لصورتِها البديعةِ وللإيذانِ باستمرار الغشيانِ بطريقِ التجددِ.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وقد أبهم ذلك الكتاب الكريم، فعلينا أن نكتفي بهذا الإبهام ولا نزيده إيضاحا بلا دليل قاطع، ولا حجة بينة، ولو علم الله الخير لنا في البيان لفعل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} ظرف مستقر في موضع الحال من {سدرة المنتهى} أريد به التنويه بما حفّ بهذا المكان المسمى سدرة المنتهى من الجلال والجمال. وفي حديث الإِسراء "حتى انتهَى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي» وفي رواية « غشيها نور من اللَّه ما يستطيع أحد أن ينظر إليها "
وما حصل فيه للنبي صلى الله عليه وسلم من التشريف بتلقّي الوحي مباشرة من الله دون واسطة الملَك ففي حديث الإِسراء « حتى ظَهرت بمستوىً أسمع فيه صريف الأقلام ففرض الله على أمتي خمسين صلاة» الحديث.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.