قوله تعالى : { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها } أي : في الدنيا { وباطل } ، ما حق ، { ما كانوا يعملون } . اختلفوا في معنى هذه الآية : قال مجاهد : هم أهل الرياء . وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء " . قيل : هذا في الكفار ، وأما المؤمن : فيريد الدنيا والآخرة ، وإرادته الآخرة غالبة فيجازي بحسناته في الدنيا ، ويثاب عليها في الآخرة . وروينا عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيراً " .
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ } خالدين فيها أبدا ، لا يفتَّر عنهم العذاب ، وقد حرموا جزيل الثواب .
{ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا } أي : في الدنيا ، أي : بطل واضمحل ما عملوه مما يكيدون به الحق وأهله ، وما عملوه من أعمال الخير التي لا أساس لها ، ولا وجود لشرطها ، وهو الإيمان .
{ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } مطلقا في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة . { وحبط ما صنعوا فيها } لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة ، أو أم يكن لأنهم لم يريدوا به وجه الله والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص ، ويجوز تعليق الظرف ب { صنعوا } على أن الضمير ل { الدنيا } . { وباطل } في نفسه . { ما كانوا يعملون } لأنه لم يعمل على ما ينبغي ، وكأن كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها . وقرئ " باطلا " على انه مفعول يعملون و{ ما } إبهامية أو في معنى المصدر كقوله :
ولا خارجاً من في زُور كلام *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جملة { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النار } مستأنفة ، ولكن اسم الإشارة يربط بين الجملتين ، وأتي باسم الإشارة لتمييزهم بتلك الصفات المذكورة قبل اسم الإشارة . وفي اسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليه استحق ما يذكر بعد اختياره من الحكم من أجل الصفات التي ذكرت قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله : { أولَئِكَ عَلى هُدى منْ ربّهم } في سورة [ البقرة : 5 ] .
و { إلاّ النار } استثناء مفرّغ من { ليس لهم } أي ليس لهم شيء ممّا يعطاه الناس في الآخرة إلاّ النار . وهذا يدل على الخلود في النار فيدل على أن هؤلاء كفار عندنا .
والحَبْط : البطلان أي الانعدام .
والمراد ب { ما صنعوا } ما عملوا ، ومن الإحسان من الدنيا كإطعام العُفاة ونحوه من مواساة بعضهم بعضاً ، ولذلك عبر هنا ب { صنعوا } لأنّ الإحسان يسمى صنيعة .
وضمير { فيها } يجوز أن يعود إلى { الدنيا } المتحدث عنها فيتعلّق المجرور بفعل { صنعوا } . ويجوز أن يعود إلى { الآخرة } فيتعلق المجرور بفعل ( بطل ) ، أي انعدم أثره . ومعنى الكلام تنبيه على أن حظهم من النعمة هو ما يحصل لهم في الدنيا وأن رحمة الله بهم لا تعدو ذلك . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما ذكر له فارس والروم وما هم فيه من المتعة « أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا » والباطل : الشيء الذي يذهب ضياعاً وخسراناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.