وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ } أي : الذي عَزّ كلَّ شيء وقهره وغلبه ، { الرحيم } أي : بخلقه ، فلا يعجل على مَنْ عصاه ، بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر .
قال أبو العالية ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، و[ محمد{[21696]} ] بن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره .
وجملة : { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } تذييل لهذا الخبر : بوصف الله بالعزة ، أي تمام القدرة فتعلمون أنه لو شاء لعجّل لهم العقاب ، وبوصف الرحمة إيماء إلى أن في إمهالهم رحمة بهم لعلهم يشكرون ، ورحيم بك . قال تعالى : { وربُّك الغفور ذو الرحمة لو يُؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب } [ الكهف : 58 ] . وفي وصف الرحمة إيماء إلى أنه يرحم رسله بتأييده ونصره .
واعلم أن هذا الاستدلال لما كان عقلياً اقتصر عليه ولم يكرر بغيره من نوع الأدلة العقلية كما كررت الدلائل الحاصلة من العبرة بأحوال الأمم من قوله : { وإذ نادى ربُّك موسى } [ الشعراء : 10 ] إلى آخر قصة أصحاب لَيْكة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن ربك لهو العزيز}، في نقمته منهم ببدر {الرحيم} حين لا يعجل عليهم بالعقوبة إلى الوقت المحدد لهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرّحِيمُ" يقول: وإن ربك يا محمد لهو العزيز في نقمته، لا يمتنع عليه أحد أراد الانتقام منه. يقول تعالى ذكره: وإني إن أحللت بهؤلاء المكذّبين بك يا محمد، المعرِضين عما يأتيهم من ذكر من عندي، عقوبتي بتكذيبهم إياك، فلن يمنعهم مني مانع، لأني أنا العزيز الرحيم، يعني أنه ذو الرحمة بمن تاب من خلقه من كفره ومعصيته، أن يعاقبه على ما سلف من جُرْمه بعد توبته...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وإن ربك لهو العزيز الرحيم} جائز أن يقال: {العزيز} المنتقم من أعدائه {الرحيم} بأوليائه. ويحتمل {العزيز} على الخلائق كلهم، وهم أذلاء دونه؛ به يعز من عز.
أما قوله: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} فإنما قدم ذكر العزيز على ذكر الرحيم لأنه لو لم يقدمه لكان ربما قيل إنه رحمهم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر العزيز وهو الغالب القاهر، ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعا. والمراد أنهم مع كفرهم وقدرة الله على أن يعجل عقابهم لا يترك رحمتهم بما تقدم ذكره من خلق كل زوج كريم من النبات، ثم من إعطاء الصحة والعقل والهداية...
إنه تعالى وصف الكفار بالإعراض أولا، وبالتكذيب ثانيا، وبالاستهزاء ثالثا، وهذه درجات من أخذ يترقى في الشقاوة، فإنه يعرض أولا ثم يصرح بالتكذيب والإنكار إلى حيث يستهزئ به ثالثا.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} أي: الذي عَزّ كلَّ شيء وقهره وغلبه، {الرحيم} أي: بخلقه، فلا يعجل على مَنْ عصاه، بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وإن} أي والحال أن {ربك} أي الذي أحسن إليك بالإرسال، وسخر لك قلوب الأصفياء، وزوى عنك اللد الأشقياء {لهو}.
ولما كان المقام لإنزال الآية القاهرة، قدم قوله: {العزيز} أي القادر على كل من قسرهم على الإيمان والانتقام منهم {الرحيم} في أنه لم يعاجلهم بالنقمة، بل أنزل عليهم الكتاب ترفقاً بهم، وبياناً لما يرضاه ليقيم به الحجة على من أريد للهوان، ويقبل بقلوب من يختصه منهم للإيمان...
ومن هنا شرع سبحانه وتعالى في تمثيل آخر الفرقان في إظهار القدرة بالبطش عند النقمة حيث لم يشكر النعمة بأن أبى المدعو الإجابة لدعوة الرسل، وترك الداعي -عقب الانقياد من الشدائد- التضرع للمرسل، وقص أخبار الأمم على ما هي عليه بحيث لم يقدر أحد من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم على إنكار شيء من ذلك، ومن ثم قرع أسماعهم، أول شيء بقصتهم من فرعون، وموسى عليه السلام، فصح قطعاً أن هذا الكتاب جلي الأمر، على القدر، ليس بكهانة، ولا شعر، كما سيؤكد ذلك عند إظهار النتيجة في آخرها، بل هو من عند رب العالمين، على لسان سيد المرسلين، وصح أن أكثر الخلق مع ذلك هالك وإن قام الدليل. ووضح السبيل. لأن سلك الذكر في قلوبهم شبيه في الضيق بنظم السهم فيما يرمى به، وصح أنه سبحانه يملي لهم وينعم عليهم بما فيه حياة أديانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وما فيه حياة أبدانهم بالإيتاء من كل ما يحتاجونه إظهاراً لصفة الرحمة. ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة، وتماديهم في سكرات الغفلة، كشفاً لصفة العزة، كل ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخفيفاً عليه وإعلاماً بأنه لا قصور في بيانه، ولا تقصير لديه.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} الغالبُ على كلِّ ما يُريده من الأمورِ التي من جُملتِها الانتقامُ من هؤلاءِ {الرحيم} المبالغُ في الرَّحمةِ ولذلك يُمهلهم ولا يُؤاخذهم بغتةً بما اجترؤُوا عليهِ من العظائمِ المُوجبةِ لفُنون العُقُوباتِ، وفي التَّعرضِ لوصفِ الرُّبوبيَّةِ مع الإضافةِ إلى ضميرهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من تشريفهِ والعِدَةِ الخفيَّةِ بالانتقامِ من الكَفَرةِ ما لا يَخفْى.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وتنتهي مقدمة السورة بالتعقيب الذي يتكرر في السورة بعد استعراض كل آية: (وإن ربك لهو العزيز الرحيم).. (العزيز) القوي القادر على إبداع الآيات، وأخذ المكذبين بالعذاب (الرحيم) الذي يكشف عن آياته، فيؤمن بها من يهتدي قلبه؛ ويمهل المكذبين؛ فلا يعذبهم حتى يأتيهم نذير. وفي آيات الكون غنى ووفرة، ولكن رحمته تقتضي أن يبعث بالرسل للتبصير والتنوير. والتبشير والتحذير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} تذييل لهذا الخبر: بوصف الله بالعزة، أي تمام القدرة فتعلمون أنه لو شاء لعجّل لهم العقاب، وبوصف الرحمة إيماء إلى أن في إمهالهم رحمة بهم لعلهم يشكرون، ورحيم بك. قال تعالى: {وربُّك الغفور ذو الرحمة لو يُؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب} [الكهف: 58]. وفي وصف الرحمة إيماء إلى أنه يرحم رسله بتأييده ونصره.
واعلم أن هذا الاستدلال لما كان عقلياً اقتصر عليه ولم يكرر بغيره من نوع الأدلة العقلية كما كررت الدلائل الحاصلة من العبرة بأحوال الأمم من قوله: {وإذ نادى ربُّك موسى} [الشعراء: 10] إلى آخر قصة أصحاب لَيْكة.