الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (9)

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز } في انتقامه من الكفرة { الرحيم } لمن تاب وآمن وعمل صالحاً .

فإن قلت : ما معنى الجمع بين كم وكل ، ولو قيل كم أنبتنا فيها من زوج كريم ؟ قلت : قد دلّ { كُلٌّ } على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و { كَمْ } على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ، فهذا معنى الجمع بينهما ، وبه نبه على كمال قدرته .

فإن قلت : فما معنى وصف الزوج بالكريم ؟ قلت : يحتمل معنيين ، أحدهما : أن النبات على نوعين : نافع وضارّ ، فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع ، وخلى ذكر الضارّ . والثاني : أن يعم جميع النبات نافعه وضارّه . ويصفهما جميعاً بالكرم وينبه على أنه ما أنبت شيئاً إلا وفيه فائدة ، لأنّ الحكيم لا يفعل فعلاً إلا لغرض صحيح ولحكمة بالغة ، وإن غفل عنها الغافلون ، ولم يتوصل إلى معرفتها العاقلون .

فإن قلت : فحين ذكر الأزواج ودلَّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة ، وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب ، كيف قال : { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } وهلا قال : آيات ؟ قلت : فيه وجهان : أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر أنبتنا ، فكأنه قال : إن في الإنبات لآية أيّ آية . وأن يراد : أن في كل واحدة من تلك الأزواج لآية . وقد سبقت لهذا الوجه نظائر .