أجل الكتب وأفضلها وأعلاها ، هذا الكتاب المبين ، والذكر الحكيم ، فإن ذكر فيه الأخبار ، كانت أصدق الأخبار وأحقها ، وإن ذكر فيه الأمر والنهي ، كانت أجل الأوامر والنواهي ، وأعدلها وأقسطها ، وإن ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد ، كان أصدق الأنباء وأحقها وأدلها على الحكمة والعدل والفضل ، . وإن ذكر فيه الأنبياء والمرسلون ، كان المذكور فيه ، أكمل من غيره وأفضل ، ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء ، الذين فضلهم على غيرهم ، ورفع قدرهم ، وأعلى أمرهم ، بسبب ما قاموا به ، من عبادة الله ومحبته ، والإنابة إليه ، والقيام بحقوقه ، وحقوق العباد ، ودعوة الخلق إلى الله ، والصبر على ذلك ، والمقامات الفاخرة ، والمنازل العالية ، . فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء ، يأمر الله رسوله أن يذكرهم ، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم ، وبيان فضله وإحسانه إليهم ، . وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم ، والاقتداء بهم ، فقال : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ْ } جمع الله له بين الصديقية والنبوة .
فالصديق : كثير الصدق ، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله ، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به ، . وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب ، المؤثر فيه ، الموجب لليقين ، والعمل الصالح الكامل ، . وإبراهيم عليه السلام ، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة ، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب ، وهو الذي دعا الخلق إلى الله ، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم ، فدعا القريب والبعيد ، واجتهد في دعوة أبيه ، مهما أمكنه .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم{[18855]} : واذكر في الكتاب إبراهيم واتلُه على قومك ، هؤلاء الذين يعبدون الأصنام ، واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين{[18856]} هم من ذريته ، ويدعون أنهم على ملته ، وهو{[18857]} كان صديقًا نبيًّا - مع أبيه - كيف نهاه عن عبادة الأصنام فقال ، { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } أي : لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررًا .
قوله : { واذكر } بمعنى واتل وشهر ، لان الله تعالى هو الذكر ، و { الكتاب } هو القرآن وهذا وشبهه من لسان الصدق الذي أبقاه الله عليهم ، و «الصديق » ، فعيل بناء مبالغة من الصدق ، وقرأ أبو البرهسم{[7965]} «إنه كان صادقاً » ، والصدق عرفه في اللسان وهو مطرد في الأفعال والخلق ، ألا ترى أنه يستعار لما لا يعقل فيقال صدقني الطعام كذا وكذا قفيزاً{[7966]} ، ويقال عود صدق للصلب الجيد ، فكان إبراهيم عليه السلام يوصف بالصدق على العموم في أفعاله وأقواله وذلك يغترق صدق اللسان الذي يضاد الكذب ، وأبو بكر رضي الله عنه وصف ب «صدّيق » لكثرة ما صدق في تصديقه بالحقائق وصدق في مبادرته الى الإيمان وما يقرب من الله تعالى ، و «الصديق » مراتب ألا ترى أن المؤمنين صديقون لقوله تعالى : { الذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون }{[7967]} [ الحديد : 19 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.