غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا} (41)

41

التفسير : إن الذين أثبتوا معبوداً سوى الله منهم من أثبت معبوداً حياً عاقلاً كالنصارى ، ومنهم من عبد معبوداً جماداً كعبدة الأوثان ، وكلا الفريقين ضال إلا أن الفريق الثاني أضل . وحين بين ضلال الفريق الأول شرع في بيان ضلال الفريق الثاني تدرجاً من الأسهل إلى الأصعب . وإنما بدأ بقصة إبراهيم عليه السلام لأنه كان أبا العرب وكانوا مقرين بعلوّ شأنه وكمال دينه فكأنه قال لهم : إن كنتم مقلدين فقلدوه في ترك عبدة الأوثان وعبادتها ، وإن كنتم مستدلين فانظروا في الدلائل التي ذكرها على أبيه . والمراد بذكر الرسول إياه في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس كقوله :

{ واتل عليهم نبأ إبراهيم } [ الشعراء : 69 ] وإلا فهو سبحانه هو الذي يذكره في تنزيله . وقوله : { إذ قال } بدل من { إبراهيم } وما بينهما اعتراض ، ولمكان هذا الاعتراض صار الوقف على { إبراهيم } مطلقاً . وجوز في الكشاف أن يتعلق " إذ " ب { كان } أو ب { صديقاً نبياً } أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات . والصديق من أبنية المبالغة فهي إما مبالغة صادق لأن ملاك أمر النبوة الصدق ، وإما مبالغة مصدق وذلك لكثرة تصديقه الحق وهذا أيضاً بالحقيقة يعود إلى الأول ، لأن مصدق الحق لا يعتبر تصديقه . إلا إذا كان صادقاً جداً في أقواله مصدقاً لجميع من تقدم من الأنبياء والكتب ، وكان نبياً في نفسه رفيع القدر عند الله وعند الناس بحيث جعل واسطة بينه وبين عباده . وقيل : إن " كان " بمعنى " صار " والأصح أنه بمعنى الثبوت والاستمرار أي إنه لم يزل موصوفاً بالصدق والنبوة في الأوقات الممكن له ذلك فيها .

/خ65