محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا} (41)

ثم أمر تعالى رسوله أن يتلو عليهم نبأ إبراهيم لكونهم ينتمون إليه فيعتبروا في توحيده الخالص ، فقال سبحانه :

{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا } بليغ التصديق بما يجب لله من الوحدانية والتنزيه { نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ } أي متلطفا في دعوته إلى التوحيد ونهيه عن عبادة الأصنام : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا } أي فلا يدفع ضرا ولا يجلب نفعا .

قال أبو السعود : ولقد سلك عليه السلام في دعوته ، أحسن منهاج ، وأقوم سبيل . واحتج عليه أبدع احتجاج بحسن أدب وخلق جميل . لئلا يركب متن المكابرة والعناد . ولا ينكب ، بالكلية ، عن محجة الرشاد . حيث طلب منه علة عبادته لما يستخف به عقل كل عاقل ، من عالم وجاهل ويأبى الركون إليه ، فضلا عن عبادته التي هي الغاية القاصية من التعظيم . مع أنها لا تحق إلا لمن له الاستغناء التام ، والإنعام العام . الخالق الرازق المحيي المميت المثيب المعاقب . ونبه على أن العاقل يجب أن يفعل كل ما يفعل ، لداعية صحيحة وغرض صحيح . والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا ، قادرا على النفع والضر ، مطيقا بإيصال الخير والشر ، لكن كان ممكنا ؛ لاستنكف العقل السليم عن عبادته . وإن كان أشرف الخلائق ، لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة القاهرة الواجبة . فما ظنك بجماد مصنوع من حجر أو شجر ، ليس له من أوصاف الأحياء عين ولا أثر ؟