{ إن الذين فتنوا } عذبوا وأحرقوا ، { المؤمنين والمؤمنات } يقال : فتنت الشيء إذا أحرقته ، نظيره { يوم هم على النار يفتنون }( الذاريات- 13 ) ، { ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم } بكفرهم ، { ولهم عذاب الحريق } بما أحرقوا المؤمنين . وقيل : ولهم عذاب الحريق في الدنيا ، وذلك أن الله أحرقهم بالنار التي أحرقوا بها المؤمنين ، ارتفعت إليهم من الأخدود ، قاله الربيع بن أنس والكلبي .
وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } أي : حَرقوا{[29933]} قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن أبْزَى .
{ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } أي : لم يقلعوا عما فعلوا ، ويندموا على ما أسلفوا .
{ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } وذلك أن الجزاء من جنس العمل . قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن الذين ابتلوا المؤمنين والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار... وقوله:"ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا "يقول: ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم، الذي فعلوا بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم بالله "فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ" في الآخرة "ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" في الدنيا،... عن الربيع فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّم فِي الآخِرَةِ، ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ في الدنيا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالفتنة: المحنة، وهي مأخوذة من فتن الذهب إذا أذابه، لأنه يذيبه ليميز به بين ما خبث منه وبين ما صفا وبين الذهب وبين ما ليس بذهب، فاستعملت في موضع الفتنة، لأن المحنة، هي الابتلاء ليتبين بها الصادق من الكاذب والمحق من المبطل؛ وذلك يكون بالأمر والنهي؛ فسمي الأمر والنهي من الله تعالى امتحانا. هذا وإن كان الله تعالى لا يخفى عليه شيء. ثم وجه فتنتهم أنهم اتخذوا الأخاديد، وأوقدوا فيها النيران ليلقوا فيها من ثبت على الإيمان، ودام عليه، ويتركوا إلقاء من رجع عن دينه، فقيل: فتنوا لهذا.
وقوله تعالى: {ثم لو يتوبوا} ففيه أنهم لو تابوا لكان يعفى عنهم، ولا يعاقبون، مع عظم جرمهم بربهم في ذات الله تعالى، فيكون فيه إظهار كرمه وعطفه على خلقه. وقوله تعالى: {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} فمنهم من صرف قوله: {ولهم عذاب الحريق} إلى الدنيا، فقال: إن تلك النار عذبوا بها المؤمنين سلطت عليهم حتى أحرقتهم. وجائز أن يكون في جهنم أيضا، فيكون فيه إخبار بأن جهنم تدوم عليهم بالإحراق، ولا تفتر عنهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ومن قال إن هذه الآيات الأواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب، ويقوي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: {ثم لم يتوبوا} لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، و {جهنم} و {الحرق} طبقتان من النار،...
... {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} قولان:
الأول: أن كلا العذابين يحصلان في الآخرة، إلا أن عذاب جهنم وهو العذاب الحاصل بسبب كفرهم، وعذاب الحريق هو العذاب الزائد على عذاب الكفر بسبب أنهم أحرقوا المؤمنين...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
والظاهر أن {الذين فتنوا} عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذيب أو أذى، وأن لهم عذابين: عذاباً لكفرهم، وعذاباً لفتنتهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات).. ومضوا في ضلالتهم سادرين، لم يندموا على ما فعلوا (ثم لم يتوبوا).. (فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).. وينص على (الحريق). وهو مفهوم من عذاب جهنم. ولكنه ينطق به وينص عليه ليكون مقابلا للحريق في الأخدود. وبنفس اللفظ الذي يدل على الحدث. ولكن أين حريق من حريق؟ في شدته أو في مدته! وحريق الدنيا بنار يوقدها الخلق. وحريق الآخرة بنار يوقدها الخالق! وحريق الدنيا لحظات وتنتهي، وحريق الآخرة آباد لا يعلمها إلا الله!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{إن الذين فتنوا المؤمنين} بمنزلة الفذلكة لما أقسم عليه إذ المقصود بالقسم وما أقسمَ عليه هو تهديد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات من مشركي قريش. وتأكيد الخبر ب {إنَّ} للرد على المشركين الذين ينكرون أن تكون عليهم تبعةً من فتن المؤمنين. والذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات: هم مشركو قريش وليس المراد أصحاب الأخدود لأنه لا يلاقي قوله: {ثم لم يتوبوا} إذ هو تعريض بالترغيب في التوبة، ولا يلاقي دخول الفاء في خبر {إنَّ} من قوله: {فلهم عذاب جهنم} كما سيأتي... وعَطفُ {المؤمنات} للتنويه بشأنهن لئلا يظنّ أن هذه المزية خاصة بالرجال، ولزيادة تفظيع فعل الفاتنين بأنهم اعتدَوا على النساء والشأن أن لا يتعرض لهن بالغلظة. وجملة: {ثم لم يتوبوا} معترضة. و {ثُمّ} فيها للتراخي الرتبي لأن الاستمرار على الكفر أعظم من فتنة المؤمنين. وفيه تعريض للمشركين بأنهم إن تابوا وآمنوا سلِمُوا من عذاب جهنم. والفَتْن: المعاملة بالشدة والإِيقاع في العناء الذي لا يجد منه مخلصاً إلا بعناء أو ضرّ أخف أو حيلة...
.ودخول الفاء في خبر (إنّ) من قوله: فلهم عذاب جهنم} لأنّ اسم (إن) وقعَ مَوصولاً والموصول يضمَّن معنى الشرط في الاستعمال كثيراً: فتقدير: إن الذين فتنوا المؤمنين ثم إنْ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم، لأن عطف قوله: {ثم لم يتوبوا} مقصود به معنى التقييد فهو كالشرط. وجملة: {ولهم عذاب الحريق} عطف في معنى التوكيد اللفظي لجملة: {لهم عذاب جهنم}. واقترانُها بواو العطف للمبالغة في التأكيد بإيهام أن من يريد زيادة تهديدهم بوعيد آخر فلا يُوجد أعظم من الوعيد الأول. مع ما بين عذاب جهنم وعذاب الحريق من اختلاف في المدلول وإن كان مآل المدلولين واحداً. وهذا ضرب من المغايرة يحسن عطف التأكيد. على أن الزج بهم في عذاب جهنم قبل أن يذوقوا حريقها لما فيه من الخزي والدفع بهم في طريقهم...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.