فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ} (10)

ثم بيّن سبحانه ما أعدّ لأولئك الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا من التحريق فقال : { إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق } : أي حرقوهم بالنار ، والعرب تقول : فتنت الشيء : أي أحرقته ، وفتنت الدرهم والدينار : إذا أدخلته النار ، لتنظر جودته . ويقال دينار مفتون ، ويسمى الصائغ الفتان ، ومنه قوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] : أي يحرقون . وقيل : معنى فتنوا المؤمنين : محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه ، ثم لم يتوبوا من قبيح صنعهم ، ويرجعوا عن كفرهم وفتنتهم فلهم عذاب جهنم : أي لهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم ، والجملة في محل رفع على أنها خبر إن ، أو الخبر لهم ، وعذاب جهنم مرتفع به على الفاعلية ، والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، ولا يضرّ نسخه بأنّ خلافاً للأخفش ، ولهم عذاب الحريق : أي ولهم عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم ، وهو عذاب الحريق الذي وقع منهم للمؤمنين . وقيل : إن الحريق اسم من أسماء النار كالسعير . وقيل : إنهم يعذبون في جهنم بالزمهرير ، ثم يعذبون بعذاب الحريق ، فالأوّل عذاب ببردها ، والثاني عذاب بحرّها . وقال الربيع بن أنس : إن عذاب الحريق أصيبوا به في الدنيا ، وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه ، فأحرقتهم ، وبه قال الكلبي .

/خ22