فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ} (10)

ثم بين سبحانه ما أعد لأولئك الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا من التحريق فقال { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } أي حرقوهم بالنار ، والعرب تقول فتنت الشيء أي أحرقته وفتنت الدرهم والدينار إذا أدخلته النار لتنظر جودته ، ويقال دينار مفتون ويسمى الصائغ الفتان ، ومنه قوله { يوم هم على النار يفتنون } أي يحرقون وقيل معنى فتنوا المؤمنين محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه .

قال الرازي : ويحتمل أن يكون المراد كل من فعل ذلك ، قال وهذا أولى ، لأن اللفظ عام والحكم بالتخصيص ترك للظاهر من غير دليل { ثم لم يتوبوا } من قبح صنعهم ولم يرجعوا عن كفرهم وفتنتهم { فلهم } في الآخرة { عذاب جهنم } بسبب كفرهم { ولهم } عذاب آخر زائد على عذاب كفرهم وهو { عذاب الحريق } الذي وقع منهم للمؤمنين . وقيل أن الحريق إسم من أسماء النار كالسعير وقيل أنهم يعذبون في جهنم بالزمهرير ، ثم يعذبون بعذاب الحريق فالأول عذاب ببردها ، والثاني عذاب بحرها .

وقال الربيع بن أنس أن عذاب الحريق أصيبوا به في الدنيا ، وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود إلى الملك وأصحابه فأحرقتهم ، وبه قال الكلبي ، ومفهوم الآية أنهم لو تابوا لخرجوا من هذا الوعيد ، وإنما عبر سبحانه بأداة التراخي لأن التوبة مقبولة قبل الغرغرة ولو طال الزمان .