تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ} (10)

الآية 10 : وقوله تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } فالفتنة المحنة ، وهي مأخوذة من فتن الذهب إذا أذابه ، لأنه يذيبه ليميز به بين ما خبث منه وبين ما صفا وبين الذهب وبين ما ليس بذهب ، فاستعملت في موضع الفتنة ، لأن المحنة ، هي الابتلاء ليتبين بها الصادق من الكاذب والمحق من المبطل ؛ وذلك يكون بالأمر والنهي ؛ فسمي الأمر والنهي من الله تعالى امتحانا . هذا وإن كان الله تعالى لا يخفي عليه شيء .

ثم وجه فتنتهم أنهم اتخذوا الأخاديد ، وأوقدوا فيها النيران ليلقوا فيها من ثبت على الإيمان ، ودام عليه ، ويتركوا إلقاء من رجع عن دينه ، فقيل : فتنوا لهذا .

وقوله تعالى : { ثم لو يتوبوا } ففيه أنهم لو تابوا لكان يعفى عنهم ، ولا يعاقبون ، مع عظم جرمهم بربهم في ذات الله تعالى ، فيكون فيه إظهار كرمه وعطفه على خلقه .

وقوله تعالى : { فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق } فمنهم من صرف قوله : { ولهم عذاب الحريق } إلى الدنيا ، فقال : إن تلك النار عذبوا بها المؤمنين سلطت عليهم حتى أحرقتهم .

وجائز أن يكون في جهنم أيضا ، فيكون فيه إخبار بأن جهنم تدوم عليهم بالإحراق ، ولا تفتر عنهم .