قوله تعالى : { لعنه الله } ، أي : أبعده الله من رحمته .
قوله تعالى : { وقال } ، يعني : قال إبليس .
قوله تعالى : { لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً } ، أي : حقاً معلوماً ، فما أطيع فيه إبليس فهو مفروضه . وفي بعض التفاسير : من كل ألف واحد لله تعالى ، وتسعمائة وتسعة وتسعون لإبليس ، وأصل الفرض في اللغة : القطع ، ومنه الفرضة في النهر ، وهي الثلمة تكون فيه ، وفرض القوس والشراك الشق الذي يكون في الوتر والخيط الذي يشد به الشراك .
لعنه الله وأبعده عن رحمته ، فكما أبعده الله من رحمته يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله . { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ْ } ولهذا أخبر الله عن سعيه في إغواء العباد ، وتزيين الشر لهم والفساد وأنه قال لربه مقسما : { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ْ } أي : مقدرا . علم اللعين أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله ، وأن عباد الله المخلصين ليس له عليهم سلطان ، وإنما سلطانه على من تولاه ، وآثر طاعته على طاعة مولاه .
وأقسم في موضع آخر ليغوينهم { لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ْ } فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به ، أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ْ }
وقوله : { لَعَنَهُ اللَّهُ } أي : طرده وأبعده من رحمته ، وأخرجه من جواره .
وقال : { لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } أي : مُعَيَّنا مقدَّرًا معلومًا . قال مقاتل بن حيان : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون{[8344]} إلى النار ، وواحد إلى الجنة .
{ لّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مّفْرُوضاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { لَعَنَهُ اللّهُ } : أخزاه وأقصاه وأبعده . ومعنى الكلام : وإن يدعون إلا شيطانا مريدا قد لعنه الله وأبعده من كل خير . وقال : { لاَءَتّخِذَنّ } يعني بذلك أن الشيطان المريد قال لربه إذ لعنه : { لأَتّخِذَنّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضا } يعني بالمفروض : المعلوم¹ كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : { نَصِيبا مَفْرُوضا } قال : معلوما .
فإن قال قائل : وكيف يتخذ الشيطان من عباد الله نصيبا مفروضا ؟ قيل : يتخذ منهم ذلك النصيب باغوائه إياهم عن قصد السبيل ، ودعائه إياهم إلى طاعته ، وتزيينه لهم الضلال والكفر ، حتى يزيلهم عن منهج الطريق¹ فمن أجاب دعاءه واتبع ما زينه له ، فهو من نصيبه المعلوم وحظه المقسوم . وإنما أخبر جلّ ثناؤه في هذه الاَية بما أخبر به عن الشيطان من قيله : { لاَءَتّخِذَنّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضا } ليعلم الذين شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى أنهم من نصيب الشيطان الذي لعنه الله المفروض ، وأنه ممن صدق عليهم ظنه . وقد دللنا على معنى اللعنة فيما مضى ، فكرهنا إعادته .
جملة { لعنه الله } صفة لشيطان ، أي أبعده ؛ وتحتمل الدعاء عليه ، لكن المقام ينبو عن الاعتراض بالدعاء في مثل هذا السياق . وعطف { وقال لأتخذن } عليه يزيد احتمال الدعاء بُعداً . وسياق هذه الآية كسياق أختها في قوله : { فاخرج إنّك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يُبعثون قال إنّك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 13 16 ] الآية فكلّها أخبار . وهي تشير إلى ما كان في أول خلق البشر من تنافر الأحوال الشيطانية لأحوال البشر ، ونشأة العداوة عن ذلك التنافر ، وما كونّه الله من أسباب الذود عن مصالح البشر أن تنالها القُوى الشيطانية نوال إهلاك بحرمان الشياطين من رضا الله تعالى ، ومن مداخلتهم في مواقع الصلاح ، إلاّ بمقدار ما تنتهز تلك القوى من فرض مَيل القوى البشرية إلى القوى الشيطانية وانجذابها ، فتلك خُلَس تعمل الشياطين فيها عملها ، وهو ما أشار إليه قوله تعالى : { قال هذا صراط عليّ مستقيم إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين } [ الحجر : 41 ، 32 ] . وتلك ألطاف من الله أوْدعها في نظام الحياة البشرية عند التكوين ، فغلب بسببها الصلاح على جماعة البشر في كلّ عصر ، وبقي معها من الشرُور حظّ يسير ينزع فيه الشيطان منازعه وَكَل الله أمرَ الذياد عنه إلى إرادة البشر ، بعد تزويدهم بالنصح والإرشاد بواسطة الشرائع والحكمة .
فمعنى الحكاية عنه بقوله : { لأتّخذّن من عبادك نصيباً مفروضاً } أنّ الله خلق في الشيطان علماً ضرورياً أيقن بمقتضاه أنّ فيه المقدرة على فتنة البشر وتسخيرهم ، وكانت في نظام البشر فرص تدخل في خلالها آثار فتنة الشيطان ، فذلك هو النصيب المفروض ، أي المجعول بفرض الله وتقديره في أصل الجبلّة .
وليس قوله : { من عبادك } إنكاراً من الشيطان لعبوديته لله ، ولكنّها جلافة الخطاب النَّاشئة عن خباثة التفكير المتأصّلة في جبلّته ، حتّى لا يستحضر الفكر من المعاني المدلولة إلاّ ما له فيه هوى ، ولا يتفطّن إلى ما يحفّ بذلك من الغلظة ، ولا إلى ما يفوته من الأدب والمعاني الجميلة ، فكلّ حظّ كان للشيطان في تصرّفات البشر من أعمالهم المعنوية : كالعقائد والتفكيرات الشريرة ، ومن أعمالهم المحسوسة : كالفساد في الأرض ، والإعلان بخدمة الشيطان : كعبادة الأصنام ، والتقريب لها ، وإعطاء أموالهم لضلالهم ، كلّ ذلك من النصيب المفروض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.