اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّعَنَهُ ٱللَّهُۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِكَ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا} (118)

قوله : " لَعَنَهُ الله " فيه وجهان :

أظهرهما : أنَّ الجُمْلَة صِفَةٌ ل " شيطاناً " ، فهي في مَحَلِّ نَصْب .

والثاني : أنها مُسْتأنفةٌ : إمَّا إخْبَار بذلك ، وإمَّا دُعَاء عليه ، وقوله : " وقال " فيه ثلاثة أوجه :

قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[9754]} : قوله لَعَنَهُ " وقال لأتَّخِذَنَّ " صِفَتَان ، يعني : شيطاناً مَرِيداً جَامِعاً بين لَعْنَة اللَّه ، وهذا القَوْل الشَّنِيعِ .

الثاني : الحالُ على إضْمَار " قد " أيْ : وقد قَالَ .

الثالث : الاستئناف . و " لأتخِذَنَّ " جوابُ قسمٍ مَحْذُوف ، و " مِنْ عبادك " يجوزُ أن يتعلَّق بالفعل قبله ، أو بمحذوفٍ على أنَّه حَالٌ من " نَصِيباً " ؛ لأنه في الأصْلِ صِفَةُ نكرةٍ قُدِّم عليها .

فصل

النَّصِيب المَفْرُوض : أي : حظاً مَعْلُوماً{[9755]} ، وهم الذين يَتَّبِعُون خُطُواته ، والفَرْضُ في اللغة ، التَّأثِير ، ومنه : فرض القَوْس للجُزْء الذي يُشَدُّ فيه الوَتَر ، والفريضة : ما فَرَضَهُ اللَّه على عِبَادِهِ حَتْماً عليهم .

رُوِي عنه النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " من كُلِّ ألْفٍ واحدٌ للَّه ، والبَاقِي للشَّيْطَان " .

فإن قيل : العَقْل والنَّقْل يدلاَّن على أنَّ حِزْب اللَّه أقلُّ من حِزْب الشَّيطان .

أما النَّقْل : فقوله - تعالى - : { فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [ البقرة : 249 ] ، وحُكِيَ عن الشيطان قوله { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] ، وقوله : { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ الحجر : 39 ، 40 ] ، ولا شك أن المُخْلَصِين قليلُون .

وأمَّا العَقْل : فهو أنّ الفُسَّاق والكُفَّار كُلَّهم حِزْب إبليس . إذا ثَبَت هذا ، فلفظ النَّصِيب إنَّما يتناول القِسْم الأوّل .

فالجواب : أنَّ هذا التَّفَاوُت إنَّما يَحْصُل في نَوْعٍ من البَشَر ، أمَّا إذا ضَمَمت زُمْرَة الملائِكَة مع غَاية كَثْرَتِهِم إلى المُؤمنين ، كانت الغَلَبَة للمُؤمِنِين .

وأيضاً : فالمُؤمِنُون وإن كانُوا قَلِيلين في العَدَدِ ، إلاَّ أن مَنْصِبَهُم عَظِيم عند الله ، والكُفَّار ، والفُسَّاق وإن كانُوا أكْثَر في العددِ ، فهم كالعَدَم ؛ فلهذا وقع اسم النَّصِيب على قَوْم إبْلِيس .


[9754]:ينظر: تفسير الرازي 11/38.
[9755]:في ب: بمعنى خطان معلومان.