وقوله تعالى : { فأوجس } عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوءه ، وظاهر الأمر كله الصلاح ، فهذا العمل من أفعال النفس يسمى الوجيس وعبر المفسرون عن أوجس بأضمر وهذه العبارة أعم من الوجيس بكثير . و { خفية } يصح أن يكون أصلها خوفة قبلت الواو ياء للتناسب ، وخوف موسى عليه السلام إنما كان على الناس أن يضلوا لهول ما رأى والأول أصوب أنه أوجس على الجملة وبقي ينتظر الفرج ،
أوجس : أضمر واستشعر . وانتصاب { خيفةً على المفعولية ، أي وجد في نفسه . وقد تقدّم نظيره عند قوله تعالى : { نكرهم وأوجس منهم خيفة } في سورة هود ( 70 ) .
و { خِيفَةً } اسم هيئة من الخوف ، أريد به مطلق المصدر ، وأصله خِوْفة ، فقلبت الواو ياء لوقوعها أثر كسرة .
وزيادة { فِي نَفْسِهِ } هنا للإشارة إلى أنها خيفةُ تفكُّر لم يظهر أثرها على ملامحه . وإنما خاف موسى من أن يظهر أمر السحرة فيساوي ما يظهر على يديه من انقلاب عصاه ثعباناً ، لأنه يكون قد ساواهم في عملهم ويكونون قد فاقوه بالكثرة ، أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السحرة مدّة فيملي لهم بظهور غلبهم عليه ومدّه لما تكون له العاقبة فخشي ذلك . وهذا مقام الخوف ، وهو مقام جَليل مِثلُه مقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ قال : { اللهم إني أسألك نصرك ووعدك اللّهم إن شئت لم تُعبد في الأرض }
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فأوجس} يعني: فوقع {في نفسه خيفة موسى}، يعني: خاف موسى إن صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه، ويشك فيه من تابعه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي وقع في قلبه الخوف، وخاف إذ صنع القوم ما صنعوا من السحر. ثم يحتمل ذلك الخوف منه وجهين:
أحدهما: خاف على ما طبع البشر عليه من خوف الطبع لا خوف غلبة، لأنه قال لهم: {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} [يونس: 81] كان يعلم عليه السلام أن تمويهات السحر لا تبطل حجج الله وآياته. فدل ذلك أنه خاف خوف الطبع والجبلة لا خوف القهر والغلبة.
والثاني: أن يكون خوفه لما أخذ سحر أولئك أعين الناس خاف موسى أن يمنعهم ذلك أن يبصروا ما جاء هو به من الآية والبرهان.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{فأوجس} فأضمر {في نفسه خيفة} خوفا خاف أن لا يفوز ولا يغلب فلا يصدق.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{فأوجس} عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوءه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والتعبير يشي بعظمة ذلك السحر وضخامته حتى ليوجس في نفسه خيفة موسى، ومعه ربه يسمع ويرى.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أوجس: أضمر واستشعر... أي وجد في نفسه...
و {خِيفَةً} اسم هيئة من الخوف...
وزيادة {فِي نَفْسِهِ} هنا للإشارة إلى أنها خيفةُ تفكُّر لم يظهر أثرها على ملامحه. وإنما خاف موسى من أن يظهر أمر السحرة فيساوي ما يظهر على يديه من انقلاب عصاه ثعباناً، لأنه يكون قد ساواهم في عملهم ويكونون قد فاقوه بالكثرة، أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السحرة مدّة فيملي لهم بظهور غلبهم عليه ومدّه لما تكون له العاقبة فخشي ذلك. وهذا مقام الخوف، وهو مقام جَليل مِثلُه مقام النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ قال: (اللهم إني أسألك نصرك ووعدك اللّهم إن شئت لم تُعبد في الأرض).
من الإيجاس، وهو تحرك شيء مخيف في القلب لا يتعدى إلى الجوارح، فإن تعدى إلى الجوارح يتحول إلى عمل نزوعي، كأن يهرب أو يجري، فالعمل النزوعي يأتي بعد الإحساس الوجداني، لذلك يقول بعدها: {في نفسه} وقد شعر موسى عليه السلام بالخوف لما رأى حبال السحرة وعصيهم تتحول أمام النظارة إلى حيات وثعابين، وربما اكتفى المشاهدون بما رأوه فهرجوا عليه وأنهوا الموقف على هذا قبل أن يتمكن هو من عمل شيء. فإن قلت: فلماذا لم يلق عصاه وتنتهي المسألة؟ نقول: لأن أوامره من الله أولا بأول، وهو معه يتتبعه سماعا ورؤية، فتأتيه التعاليم جديدة مباشرة.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} حين راوده الضعف البشري، خاصة وأن موسى لم يطلع على التدبير الإلهي بكافة تفاصيله وجزئياته فتسرب إلى نفسه الخوف. ولذا فإنه كان ينتظر نداء الله وتعليماته حتى يطمئن قلبه للفوز.