مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ} (67)

أما قوله تعالى : { فأوجس في نفسه خيفة موسى } فالإيجاس استشعار الخوف أي وجد في نفسه خوفا ، فإن قيل : إنه لا مزيد في إزالة الخوف على ما فعله الله تعالى في حق موسى عليه السلام فإنه كلمه أولا وعرض عليه المعجزات الباهرة كالعصا واليد ، ثم إنه تعالى صيرها كما كانت بعد أن كانت كأعظم ثعبان ، ثم إنه أعطاه الاقتراحات الثمانية وذكر ما أعطاه قبل ذلك من المنن الثمانية ثم قال له بعد ذلك كله : { إنني معكما أسمع وأرى } فمع هذه المقدمات الكثيرة كيف وقع الخوف في قلبه ؟

والجواب عنه من وجوه . أحدها : أن ذلك الخوف إنما كان لما طبع الآدمي عليه من ضعف القلب وإن كان قد علم موسى عليه السلام أنهم لا يصلون إليه وأن الله ناصره وهذا قول الحسن .

وثانيها : أنه خاف أن تدخل على الناس شبهة فيما يرونه فيظنوا أنهم قد ساووا موسى عليه السلام ويشتبه ذلك عليهم وهذا التأويل متأكد بقوله : { لا تخف إنك أنت الأعلى } وهذا قول مقاتل .

وثالثها : أنه خاف حيث بدأوا وتأخر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يلقيه فيدوموا على اعتقاد الباطل .

ورابعها : لعله عليه السلام كان مأمورا بأن لا يفعل شيئا إلا بالوحي فلما تأخر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت خاف أن لا ينزل الوحي في ذلك الوقت فيبقى في الخجالة .

وخامسها : لعله عليه السلام خاف من أنه لو أبطل سحر أولئك الحاضرين فلعل فرعون قد أعد أقواما آخرين فيأتيه بهم فيحتاج مرة أخرى إلى إبطال سحرهم وهكذا من غير أن يظهر له مقطع وحينئذ لا يتم الأمر ولا يحصل المقصود .