يذكر تعالى ما أنعم به على خلقه من هذه الأنعام التي سخرها لهم ، { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } : قال قتادة : مطيقون{[24863]} أي : جعلهم يقهرونها{[24864]} وهي ذليلة لهم ، لا تمتنع منهم ، بل لو جاء صغير إلى بعير لأناخه ، ولو شاء لأقامه وساقه ، وذاك ذليل منقاد معه . وكذا لو كان القطَارُ مائة بعير أو أكثر ، لسار الجميع بسيرِ صغيرٍ .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا خَلَقْنَا لَهُم مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أوَ لَمْ يَرَ هؤلاء المشركون بالله الاَلهة والأوثانَ أنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا يقول : مما خلقنا من الخلق أنْعاما وهي المواشي التي خلقها الله لبني آدم ، فسخّرها لهم من الإبل والبقر والغنم فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ يقول : فهم لها مصرّفون كيف شاءوا بالقهر منهم لها والضبط ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَهَمُ لَهَا مالِكُونَ : أي ضابطون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوَ لَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعاما فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ فقيل له : أهي الإبل ؟ فقال : نعم ، قال : والبقر من الأنعام ، وليست بداخلة في هذه الاَية ، قال : والإبل والبقر والغنم من الأنعام ، وقرأ : ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ قال : والبقر والإبل هي النعم ، وليست تدخل الشاء في النعم .
{ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا } مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا ، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص ، والتفرد بالإحداث { أنعاما } خصها بالذكر لما فيها بدائع الفطرة وكثرة المنافع . { فهم لها مالكون } متملكون لها بتمليكنا إياها ، أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال :
هذه مخاطبة في أمر قريش وإعراضهم عن الشرع وعبادتهم الأصنام فنبههم تعالى على الألوهية ، بما لا يحصى من الأدلة كثرة وبياناً ، فنبه بهذه الآية على إنعامه عليهم ببهيمة الأنعام ، وقوله تعالى { أيدينا } عبارة عن القدرة عبر عنها بيد وبيدين وب ( أيد ){[9817]} ، وذلك من حيث كان البشر إنما يقيمون القدرة والبطش باليد ، فعبر لهم عن القدرة بالجهة التي قربت في أفهامهم ، والله تعالى منزه عن الجارحة والتشبيه كله ، وقوله { فهم لها مالكون } تنبيه على أن النعمة في أن هذه الأنعام ليست بعاتية ولا مبتزة{[9818]} ، بل تقتنى وتقرب منافعها .
بعد أن انقضى إبطال معاقد شرك المشركين أخذ الكلام يتطرق غرضَ تذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم وكيف قابلوها بكفران النعمة وأعرضوا عن شكر المنعم وعبادته واتخذوا لعبادتهم آلهة زعماً بأنها تنفعهم وتدفع عنهم وأدمج في ذلك التذكير بأن الأنعام مخلوقة بقدرة الله . فالجملة معطوفة عطف الغرض على الغرض .
والاستفهام : إنكار وتعجيب من عدم رؤيتهم شواهد النعمة ، فإن كانت الرؤية قلبية كان الإِنكار جارياً على مقتضى الظاهر ، وإن كانت الرؤية بصرية فالإِنكار على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل مشاهدتهم تلك المذكورات منزلةَ عدم الرؤية لعدم جريهم على مقتضى العلم بتلك المشاهدات الذي ينشأ عن رؤيتها ورؤية أحوالها ، وعلى الاحتمالين فجملة الفعل المنسبك بالمصدر سادَّة مسدّ المفعولين للرؤية القلبية ، أو المصدر المنسبك منها مفعول للرؤية البصرية .
وفي خلال هذا الامتنان إدماج شيء من دلائل الانفراد بالتصرف في الخلق المبطلة لإِشراكهم إياه غيره في العبادة وذلك في قوله : { أنَّا خلقنا } وقوله : { مما عملت أيدينا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.