السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا فَهُمۡ لَهَا مَٰلِكُونَ} (71)

{ أوَ لم يروا } أي : يعلموا علماً هو كالرؤية ، والاستفهام للتقرير والواو الداخلة عليها للعطف { أنا خلقنا لهم } أي : في جملة الناس { مما عملت أيدينا } أي : مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا ، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد المبالغة في الاختصاص والتفرد في الإحداث ، كما يقول القائل : عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد { أنعاماً } على علم منا بقواها ومقاديرها ومنافعها وطبائعها وغير ذلك من أمورها ، وإنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلقه وإيجاده ، لأن الأنعام أكثر أموال العرب والنفع بها أعم { فهم لها مالكون } أي : خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك أو فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم :

أصبحت لا أملك السلاح ولا *** أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به *** وحدي وأخشى الرياح والمطرا

والشاهد في قوله : ولا أملك رأس البعير أي : لا أضبطه والمعنى : لم نخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة كما قال تعالى : { وذللناها لهم } .