تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا فَهُمۡ لَهَا مَٰلِكُونَ} (71)

الآية 71 وقوله تعالى : { أولم روا أنا خلقنا لهم } قد ذكرنا في ما تقدم في غير موضع أن قوله : { ألم تر } ونحوه أنه في الظاهر حرف استفهام ، لكنه من الله على الإيجاب والإلزام . ثم هو يخرّج على وجهين :

أحدهما : على الخبر أن قد رأوا ما خلق من الأنعام وما ذكر .

والثاني : على الأمر بالرؤية{[17552]} والنظر في ما ذكر ، أي فليروا .

فإن كان على الخبر أنهم قد رأوا ما خلق الله من الأنعام فهلا تفكّروا ، واعتبروا في ما خلق لهم من الأنعام وغيرها أنه لم يخلق لهم ذلك عبثا باطلا [ ولكن لحكمة . ولو لم يكن بعث على ما يقولون هم كان خلق ذلك عبثا باطلا }{[17553]} .

[ أو يقول : إن من قدر على خلق ذلك من الأنعام وتسخيرها ما لو تركها كلها ، لم يُمتها لامتلأت الأرض ، لا يُحتمل أن يعجزه شيء ، ولا يقدر على البعث والإحياء بعد الموت ]{[17554]} .

أو يقول{[17555]} : إن من قدر على تصوير ما ذكر من الأنعام وغيره في الأرحام وتركيب ما ركّب فيها من الأعضاء والجوارح في الظلمات لا يحتمل أن يخفى عليه شيء ، أو يعجزه ، أو يفعل ذلك على التدبير الذي فعل بلا حكمة .

أو يذكر أنه خلق لهم من الأنعام ، وذلّلها لهم ، وجعل لهم فيها من المنافع ما ذكرنا بلا شكر يلزمهم ، يستأدي على ذلك شكر ما أنعم عليهم . على هذا لو كان على الأمر بالرؤية في ما خلق والنظر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { مما عملت أيدينا أنعاما } يحتمل ما عملت أيدي الخلق من الزراعة والغرس وغير ذلك مما يعمله الخلق ، نسب ذلك إلى نفسه .

ويحتمل : { مما عملت أيدينا } كقوله : { والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون } [ الذاريات : 47 ] وقوله : { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ استكبرت أم كنت من العالمين } [ ص : 75 ] أي بقوتي ونحوه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فهم لها مالكون } قال بعضهم : قادرون على الانتفاع بها واستعمالها ، يقول الرجل في ما له فيه حقيقة الملك : أنا غير مالك عليه ، إذا كان غير قادر على الانتفاع به ، ولا مالك على استعماله .

وقيل : { مالكون } أي ضابطون قادرون على إمساكها ، يقال : فلان غير ضابط على إبله ودابته ، وهما واحد ، والله أعلم .


[17552]:في الأصل وم: على الرؤية.
[17553]:من م، ساقطة من الأصل.
[17554]:ساقطة من م.
[17555]:من م، في الأصل: يقولوا.