فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَيۡدِينَآ أَنۡعَٰمٗا فَهُمۡ لَهَا مَٰلِكُونَ} (71)

ثم ذكر سبحانه قدرته العظيمة وإنعامه على عبيده . وجحد الكفار لنعمة فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْا }

الهمزة للإنكار والتعجيب من حالهم ، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره ، والرؤية هي القلبية أي : أولم يعلموا بالتفكر والاعتبار { أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ } أي لأجلهم . انتفاعهم { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا شركة .

وإسناد العمل إلى الأيدي مبالغة في الاختصاص والتفرد بالخلق ، كما يقول الواحد منا : عملته بيدي للدلالة على تفرده بعمله ، وما : بمعنى الذي وحذف العائد لطول الصلة ويجوز أن تكون مصدرية وأتى بهذه الجملة بعد قوله : خلقنا للإشارة إلى حصر الخلق لهذه النعم فيه تعالى ، واستقلاله بها ، فهو كناية عرفية ، وقيل :تمثيلية ، أي مما تولينا إحداثه ، ولم يقدر على إحداثه غيرنا وقوله :

{ أَنْعَامًا } مفعول خلقنا ، وهي جمع نعم ، وهي : البقر والغنم والإبل وإنما خصها بالذكر – وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله وإيجاده – لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم ، وقد سبق تحقيق الكلام فيها ، ثم ذكر سبحانه المنافع المترتبة على خلق الأنعام فقال :

{ فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } أي ضابطون قاهرون ، يتصرفون بها كيف شاؤوا ، ولو خلقناها وحشية لنفرت عنهم ولم يقدروا على ضبطها ، أو المراد أنها صارت في أملاكهم ومعدودة في جملة أموالهم المنسوبة إليهم نسبة الملك ، وهذا أظهر ليكون قوله : { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ } تأسيسا لنعمه على حيالها لا تتمة لما قبلها .