وقوله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي : أولى الإفسادتين { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : سلطنا عليكم جندًا من خلقنا أولي بأس شديد ، أي : قوة وعدة وسلطة{[17232]} شديدة { فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ } أي : تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم ، أي : بينها ووسطها ، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا { وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا }
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم : من هم ؟ فعن ابن عباس وقتادة : أنه جالوت الجَزَريّ وجنوده ، سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك . وقتل داود جالوت ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا }وعن سعيد بن جبير : أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده . وعنه أيضًا ، وعن غيره : أنه بختنصر ملك بابل .
وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال ، إلى أن ملك البلاد ، وأنه كان فقيرًا مقعدًا ضعيفًا يستعطي الناس ويستطعمهم ، ثم آل به الحال إلى ما آل ، وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس ، فقتل بها خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل .
وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولا{[17232]} وهو حديث موضوع لا محالة ، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث ! والعجب كل العجب كيف راج عليه مع إمامته وجلالة قدره ! وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي ، رحمه الله ، بأنه موضوع مكذوب ، وكتب ذلك على حاشية الكتاب .
وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها ؛ لأن منها ما هو موضوع ، من وضع [ بعض ]{[2]} زنادقتهم ، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحًا ، ونحن في غُنْيَة عنها ، ولله الحمد . وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم . وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم ، فاستباح بَيْضَتَهم ، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم ، جزاء وفاقًا ، وما ربك بظلام للعبيد ؛ فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء .
وقد روى ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بُختنَصَّر على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا ، فسألهم : ما هذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر . قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفًا من المسلمين وغيرهم ، فسكن{[3]} .
وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وهذا هو المشهور ، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ، حتى إنه لم يبق من يحفظ التوراة ، وأخذ معه خلقًا منهم أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم ، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها . ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه ، لجاز كتابته وروايته ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى { ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ثم أدلناكم يا بني إسرائيل على هؤلاء القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه أنه يبعثهم عليهم ، وكانت تلك الإدالة والكرّة لهم عليهم ، فيما ذكر السديّ في خبره أن بني إسرائيل غزوهم ، وأصابوا منهم ، واستنقذوا ما في أيديهم منهم . وفي قول آخرين : إطلاق الملك الذي غزاهم ما في يديه من أسراهم ، وردّ ما كان أصاب من أموالهم عليهم من غير قتال . وفي قول ابن عباس الذي رواه عطية عنه هي إدالة الله إياهم من عدوّهم جالوت حتى قتلوه ، وقد ذكرنا كلّ ذلك بأسانيده فيما مضى وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِينَ يقول : وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين .
وقوله : وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا يقول : وصيرناكم أكثر عدَدَ نافرٍ منهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قولهوَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا : أي عددا ، وذلك في زمن داود .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا يقول : عددا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَيْهِمْ لبني إسرائيل ، بعد أن كانت الهزيمة ، وانصرف الاَخرون عنهم وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا قال : جعلناكم بعد هذا أكثر عددا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة ثُمّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرّةَ عَلَيْهِمْ ثم رددت الكرّة لبني إسرائيل .
حدثني محمد بن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، في قوله : وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَال وبَنِينَ قال : أربعة آلاف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ثم أدلناكم يا بني إسرائيل على هؤلاء القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه أنه يبعثهم عليهم، وكانت تلك الإدالة والكرّة لهم عليهم، فيما ذكر السديّ في خبره أن بني إسرائيل غزوهم، وأصابوا منهم، واستنقذوا ما في أيديهم منهم.
وفي قول آخرين: إطلاق الملك الذي غزاهم ما في يديه من أسراهم، وردّ ما كان أصاب من أموالهم عليهم من غير قتال.
وفي قول ابن عباس الذي رواه عطية عنه هي إدالة الله إياهم من عدوّهم جالوت حتى قتلوه،...
"وأمْدَدْناكُمْ بأمْوَالٍ وَبَنِينَ" يقول: وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين...
"وَجَعَلْناكُمْ أكْثَرَ نَفِيرا" يقول: وصيرناكم أكثر عدَدَ نافرٍ منهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{رددنا لكم الكرة عليهم} أي الغلبة والهلاك عليهم {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} أي أكثر رجالا منكم -قبل ذلك- وعددا 5، ثم إذا عصوا ثانيا وكفروا بربهم، سلط الله عليهم قوما آخرين، فدمروا عليهم. فذلك قوله: {فإذا جاء وعد الآخرة} (الإسراء: 7و104) الهلاك والتدمير، أي موعود الآخرة {ليسوءوا وجوهكم} (الإسراء: 7).
ثم وعد لهم الرحمة إن تابوا، ورجعوا عن ذلك بقوله: {عسى ربكم أن يرحمكم} (الإسراء: 8) ثم أوعدهم العود إليهم بالعقوبة بقوله: {وإن عدتم عدنا} أي وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالعقوبة.
ثم قول أهل التأويل: إنه سلط عليهم بختنصر وجالوت ثم فلانا وفلانا فذلك لا يعلم إلا بالخبر عن رسول الله، وليس في الآية سوى أنه بعث عليهم {عبادا لنا أولي بأس شديد} فلا يزاد على ذلك إلا بالخير سوى أنه ذكر هذا لنا. وفيه وجهان من الحكمة:
أحدهم: ما ذكرنا من إثبات نبوة محمد ومن صدق رسولهم حين حذرهم العقوبة بعصيانهم. فكان كما قال.
والثاني: تحذيرنا عن مثل صنيعهم لأنهم ليسوا بذلك أولى من غيرهم.
وقال قتادة: النفير المقاتلة الذين يستنفرون للقتال، أي لو استنفرتم أنتم، واستنفر أولئك كنتم أكثر منهم. ثم جاء قوله: {فإذا جاء وعد أولاهما} إلى قوله {فجاسوا خلال الديار}.
... خاطب بهذا، والله أعلم (الذين) كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن كانوا هم لم يفعلوا ما ذكر، لكن لما فعل أوائلهم خاطب هؤلاء لما كانوا يفتخرون بأوائلهم، ويقولون هم {نحن أبناؤا الله وأحباؤه} (المائدة: 18) فيذكر هؤلاء نعمة التي أنعم على أولئك، ويحذرهم صنيعهم، وهو ما خاطبهم بقوله: {وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك} الآية (البقرة: 55) وقوله: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد} (البقرة: 61) ونحوه.
خاطب هؤلاء الذين كانوا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاتبهم على صنيع أولئك وفعلهم، وإن كان هؤلاء لم يقولوا ذلك لما (لم يرضوا) بصنيع أولئك، وتحذيرا عن مثل صنيعهم، والله أعلم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة} أي الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو... {أَكْثَرَ نَفِيرًا} مما كنتم. والنفير: من ينفر مع الرجل من قومه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {ثم رددنا لكم الكرة}، الآية عبارة عما قاله الله لبني إسرائيل في التوراة وجعل {رددنا} موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي، وهذه الكرة هي بعد الجلوة الأولى لما وصفنا، فغلبت بنو إسرائيل على بيت المقدس وملكوا فيه، وحسنت حالهم برهة من الدهر، وأعطاهم الله الأموال والأولاد، وجعلهم إذا نفروا إلى أمر أكثر الناس.
قوله: {ثم رددنا لكم الكرة} هو أنه تعالى قوى طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود حتى قتل جالوت فذاك هو عود الكرة.
والقول الثالث: إن قوله: {بعثنا عليكم عبادا لنا} هو أنه تعالى ألقى الرعب من بني إسرائيل في قلوب المجوس، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال ذلك الرعب عن قلوب المجوس فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم.
واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواما قتلوهم وأفنوهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين سبحانه أنه قادر على إذلال العزيز بعد ضخامة عزه، بين أنه مقتدر على إدالته على من قهره بعد طول ذله إذا نقاه من درنه وهذبه من ذنوبه، فقال تعالى مشيراً بأداة التراخي إلى عظمة هذه الإدالة بخرقها للعوائد: {ثم رددنا} أي بما لنا من العظمة، وعجل لهم البشرى بقوله تعالى: {لكم} أي خاصة {الكرة} أي العودة والعظمة؛ وبين أن ذلك مع السطوة بقوله سبحانه: {عليهم} قال بعض المفسرين: في زمان داود عليه السلام {وأمددناكم} أي أعنَّاكم بعظمتنا {بأموال} تستعينون بها على قتال أعدائكم {وبنين} أي تتقوون بهم {وجعلناكم} أي بعظمتنا {أكثر} أي من عدوكم {نفيراً} أي ناساً ينفرون معكم إذا استنفرتموهم للقتال ونحوه من المهمات..
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حتى إذا ذاق بنو إسرائيل ويلات الغلب والقهر والذل؛ فرجعوا إلى ربهم، وأصلحوا أحوالهم وأفادوا من البلاء المسلط عليهم. وحتى إذا استعلى الفاتحون وغرتهم قوتهم، فطغوا هم الآخرون وأفسدوا في الأرض، أدال الله للمغلوبين من الغالبين، ومكن للمستضعفين من المستكبرين: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف جملة {فجاسوا} [الإسراء: (5] فهو من تمام جواب (إذَا) من قوله: {فإذا جاء وعد أولاهما} [الإسراء: 5]، ومن بقية المقضي في الكتاب، وهو ماض لفظاً مستقبل معنًى، لأن (إذا) ظرف لِما يستقبل. وجيء به في صيغة الماضي لتحقيق وقوع ذلك. والمعنى: نبعث عليكم عباداً لنا فيجوسون ونرد لكم الكرة عليهم ونمددكم بأموال وبنين ونجعلكم أكثر نفيراً. و (ثم) تفيد التراخي الرتبي والتراخي الزمني معاً. والردّ: الإرجاع. وجيء بفعل {رددنا} ماضياً جَرياً على الغالب في جواب (إذا) كما جاء شرطها فعلاً ماضياً في قوله: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا} [الإسراء: 5] أي إذا يجيء يبعث. والكرة: الرجعة إلى المكان الذي ذهب منه. فقوله: {عليهم} ظرف مستقر هو حال من {الكرة}، لأن رجوع بني إسرائيل إلى أورشليم كان بتغلب ملك فارس على ملك بابل. وذلك أن بني إسرائيل بعد أن قضوا نيفاً وأربعين سنة في أسر البابليين وتابوا إلى الله وندموا على ما فرط منهم سَلط الله ملوكَ فارس على ملوك بابل الأشوريين؛ فإن الملك (كُورش) ملك فارس حارب البابليين وهزمهم فضعُف سلطانهم، ثم نزل بهم (دَاريوس) ملك فارس وفتح بابل سنة 538 قبل المسيح، وأذن لليهود في سنة 530 قبل المسيح أن يرجعوا إلى أورشليم ويجددوا دولتهم. وذلك نصر انتصروه على البابليين إذ كانوا أعواناً للفرس عليهم...
الخطاب في هذه الآية موجه لبني إسرائيل، والآية تمثل نقطة تحول وانقلاب للأوضاع، فبعد أن تحدثنا عنه من غلبة المسلمين، وأن الله سلطهم لتأديب بني إسرائيل، نرى هنا أن هذا الوضع لم يستمر؛ لأن المسلمين تخلوا عن منهج الله الذي ارتفعوا به، وتنصلوا من كونهم عباداً لله، فدارت عليهم الدائرة، وتسلط عليهم اليهود، وتبادلوا الدور معهم؛ لأن اليهود أفاقوا لأنفسهم بعد أن أدبهم رسول الله والمسلمون في المدينة، فأخذوا ينظرون في حالهم وما وقعوا فيه من مخالفات. ولابد أنه قد حدث منهم شبه استقامة على منهج الله، أو على الأقل حدث من المسلمين انصراف عن المنهج وتنكب للطريق المستقيم، فانحلت الأمور الإيمانية في نفوس المسلمين، وانقسموا دولاً، لكل منها جغرافياً، ولكل منها نظام حاكم ينتسب إلى الإسلام، فانحلت عنهم صفة عباد الله. فبعد قوتهم واستقامتهم على منهج الله، وبعد أن استحقوا أن يكونوا عباداً لله بحق تراجعت كفتهم وتخلوا عن منهج ربهم، وتحاكموا إلى قوانين وضعية، فسلط عليهم عدوهم ليؤدبهم، فأصبحت الغلبة لليهود؛ لذلك يقول تعالى: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم}: و (ثم) حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي... ذلك لأن بين الكرة الأولى التي كانت للمسلمين في عهد رسول الله، وبين هذه الكرة التي كانت لليهود وقتاً طويلاً. فلم يحدث بيننا وبينهم حروب لعدة قرون، منذ عصر الرسول إلى أن حدث وعد بلفور، الذي أعطى لهم الحق في قيام دولتهم في فلسطين، وكانت الكرة لهم علينا في عام 1967، فناسب العطف ب "ثم "التي تفيد التراخي. والحق سبحانه يقول: {ثم رددنا لكم الكرة}: أي: جعلنا لبني إسرائيل الغلبة والقوة والنصر على المسلمين وسلطناهم عليهم؛ لأنهم تخلوا عن منهج ربهم، وتنازلوا عن الشروط التي جعلتهم عباداً لله. و (الكرة) أي: الغلبة من الكر والفر الذي يقوم به الجندي في القتال، حيث يقدم مرة، ويتراجع أخرى. وقوله تعالى: {وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً}: وفعلاً أمدهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدهم بالبنين الذين يعلمونهم ويثقفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات. ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كرة على المسلمين، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين، ولابد لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى: {وجعلناكم أكثر نفيراً}: فالنفير من يستنفره الإنسان لينصره، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندت اليهود وصادمت المسلمين.