الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

ثمّ قال : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ } إلى قوله { تَتْبِيراً } قال : هذا بخت نصر الذي خرب بيت المقدس .

ثمّ قال لهم بعد ذلك { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } [ على هذا ثمّ ] { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } قال فعادوا فعيد عليهم فبعث الله عليهم ملك الروم ثمّ عادوا أيضا فعيد عليهم فبعث الله عليهم ملك [ . . . . . . . . ] ثمّ عادوا أيضاً فعيد عليهم سابور ذو الاكتاف .

قتادة في هذه الآية ( وقضينا ) قضى على القوم كما تسمعون فبعث عليهم في الأولى جالوت ، فسبى وقتل وخرب { فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ } ، ثمّ رددنا لكم يعني يا بني إسرائيل الكرة عليهم والملك في زمان داود ( عليه السلام ) { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ } آخر الكرتين بعث الله عليم بخت نصر أبغض خلق الله ، فسبى وقتل وخرب بيت المقدس وسامهم سوم العذاب ، ثمّ قال { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } فعاد الله إليهم برحمته ثمّ عاد [ الله إليهم بشر ] بما عذبهم ، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من آفته وعقوبتة ، ثمّ بعث الله عليهم هذا الحي من العرب كما قال :

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } [ الأعراف : 167 ] [ . . . . . ] .

{ وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ } أي أخبرناهم وعلمناهم في ما آتيناهم من الكتب .

وقال ابن عبّاس وقتادة : يعني وقضينا عليكم ، وعلى هذا التأويل يكون ( إلى ) بمعنى ( على ) وبمعنى بالكتاب اللوح المحفوظ ، { لَتُفْسِدُنَّ } قيل : لام القاسم مجازة : والله لتفسدن في الأرض مرتين بالعاصي { وَلَتَعْلُنَّ } ولتستكبرن ولتظلمن الناس { عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } يعني أولي المرتين واختلفوا فيها فعلى قول قتادة : إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة [ وحكموا ] ربهم ولم يحفظوا أمر نبيهم موسى ( عليه السلام ) وركبوا المحارم وتعدوا على الناس .

وقال السدي : في خبر ذكره عن أبي مالك وأبي جهل عن ابن عبّاس وعن أمية الهمذاني عن ابن مسعود : إن أول الفسادين قتل زكريا .

وقال ابن إسحاق : إن إفسادهم في المرة الأولى قتلهم شعياء بن أمصيا في عهد أرمياء في الشجرة .

وقال ابن إسحاق : إن بعض أهل العلم أخبره أن زكريا مات موتاً ولم يقتل وأن المقتول هو شعياء ( عليه السلام ) .

{ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ } يعني [ جالوت الجزري ] وجنوده وهو الذي قتله داود .

قال قتادة : وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس ، وقال أبو المعلى ويعلى عن سعيد بن جبير : هم صحاريب من أهل نينوى ، وهي الموصل .

أبو بشير عنه : صرخان الخزري ، وقال : ابن إسحاق : بخت نصر البابلي وأصحابه .

{ أُوْلِي بَأْسٍ } يعني بطش ، وفي الحرب { شَدِيدٍ فَجَاسُواْ } أي خافوا وداروا .

قال ابن عبّاس : مشوا ، الفراء : قتلوكم بين بيوتكم .

وأنشد لحسان :

ومنا الذي لاقي بسيف محمّد *** فجاس به الأعداء عرض العساكر

أبو عبيدة : طلبوا ما فيها كما يجوس الرجل الأخبار أي يطلبها .

القتيبي : [ عاشوا وقتلوا ] وأفسدوا .

ابن جرير : طافوا من الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين فجمع التأويلات .

وقرأ ابن عبّاس : فجاسوا بالهاء ومعناها واحد .

{ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } قضاء كائناً لا خلف فيه { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ } الرجعة والدولة { عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } عدداً .

قال القتيبي : والنفير من نفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته ، يقال : النفير والنافر ، وأصله القدير والقادر .