البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا} (6)

{ ثم رددنا لكم الكرة عليهم } هذا إخبار من الله لبني إسرائيل في التوراة ، وجعل { رددنا } موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي ، والكرة الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليهم حتى تابوا ورجعوا عن الفساد ملكوا بيت المقدس قبل الكرة قبل بخت نصر واستبقاء بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم ، وذكر في سبب ذلك أن ملكاً غزا أهل بابل وكان بخت نصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وبقي بقيته عندهم ببابل في الذل ، فلما غزاهم ذلك الملك وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل ، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء فرجعوا إلى أحسن ما كانوا .

وقيل : الكرة تقوية طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود على قتل جالوت .

وقال قتادة : كانوا أكثر شراً في زمان داود عليه السلام .

وانتصب { نفيراً } على التمييز .

فقيل : النفير والنافر واحد وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته قاله أبو مسلم .

وقال الزجاج : يجوز أن يكون جمع نفر ككلب وكليب وعبد وعبيد ، وهم المجتمعون للمصير إلى الأعداء .

وقيل : النفير مصدر أي أكثر خروجاً إلى الغزو كما في قول الشاعر :

فأكرم بقحطان من والد . . . ***وحمير أكرم بقوم نفيرا

ويروى بالحميريين أكرم نفيراً ، والمفضل عليه محذوف قدره الزمخشري وأكثر نفيراً مما كنتم وقدره غيره ، وأكثر نفيراً من الأعداء .