قوله تعالى : { وقال اركبوا فيها } ، أي : وقال لهم نوح اركبوا فيها أي في السفينة ، { بسم الله مجريها ومرساها } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص ، : " مجريها " بفتح الميم أي : جريها { ومرساها } بضمها ، وقرأ محمد بن محيصن مجريها ومرساها بفتح الميمين من جرت ورست ، أي : بسم الله جريها ورسوها ، وهما مصدران . وقرأ الآخرون : مجراها ومرساها بضم الميم من أجريت وأرسيت ، أي : بسم الله إجراؤها وإرساؤها وهما أيضا مصدران ، كقوله : { أنزلني منزلاً مباركاً } [ المؤمنون-29 ] و{ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق } [ الإسراء-80 ] والمراد هنا : الإنزال والإدخال والإخراج .
قوله تعالى : { إن ربي لغفور رحيم } ، قال الضحاك : كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال : بسم الله ، فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال : بسم الله ، فرست .
{ وقال اركبوا فيها } أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض . { بسم الله مجراها ومرساها } متصل ب { اركبوا } حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين باسم الله وقت إجرائها وإرسائها ، أو مكانهما على أن المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر ، والمضاف محذوف كقولهم : آتيك خفوق النجم ، وانتصابهما بما قدرناه حالا ويجوز رفعهما ب { بسم الله } على أن المراد بهما المصدر أو جملة من مبتدأ وخبر ، أي إجراؤها { بسم الله } على أن { بسم الله } خير أو صلة والخبر محذوف وهي إما جملة مقتضية لا تعلق لها بما قبلها أو حال مقدرة من الواو أو الهاء . وروي أنه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست . ويجوز أن يكون الاسم مقحما كقوله :
ثم اسم السّلام عليكما *** . . . . . . . . . . . . . . .
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم برواية حفص { مجراها } بالفتح من جرى وقرئ { مرساها } أيضا من رسا وكلاهما يحتمل الثلاثة و " مجريها ومرسيها " بلفظ الفاعل صفتين لله . { إن ربي لغفور رحيم } أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إياكم لما نجاكم .
المعنى { وقال } نوح - حين أمر بالحمل في السفينة - لمن آمن معه : { اركبوا فيها } ؛ فأنث الضمير ، إذ هي سفينة لأن الفلك المذكور مذكر .
وفي مصحف أبيّ «على اسم الله » . وقوله : { بسم الله } يصح أن يكون في موضع الحال من الضمير الذي في قوله : { اركبوا } كما تقول : خرج زيد بثيابه وبسلاحه ، أي اركبوا متبركين بالله تعالى ، ويكون قوله : { مجراها ومرساها } ظرفين ، أي وقت إجرائها وإرسائها . كما تقول العرب : الحمد لله سرارك وإهلالك{[6344]} وخفوق النجم ومقدم الحاج ، فهذه ظرفية زمان ، والعامل في هذا الظرف ما في { بسم الله } من معنى الفعل ، ويصح أن يكون قوله : { بسم الله } في موضع خبر و { مجراها ومرساها } ابتداء مصدران كأنه قال : اركبوا فيها فإن ببركة الله إجراءها وإرساءها ، وتكون هذه الجملة - على هذا - في موضع حال من الضمير في قوله { فيها } ، ولا يصح أن يكون حالاً من الضمير في قوله : { اركبوا } لأنه لا عائد في الجملة يعود عليه : وعلى هذا التأويل قال الضحاك : إن نوحاً كان إذا أراد جري السفينة قال : { بسم الله } ، فتجري وإذا أراد وقوفها قال : { بسم الله } فتقف .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم - في رواية أبي بكر وابن عامر : «مُجراها ومُرساها » بضم الميمين على معنى إجرائها وإرسائهما ، وهي قراءة مجاهد وأبي رجاء والحسن والأعرج وشيبة وجمهور الناس ، ومن ذلك قول لبيد : [ الكامل ] .
وعمرت حرساً قبل مجرى داحس*** لو كان للنفس اللجوج خلود{[6345]}
وقرأ حمزة والكسائي وحفص بن عاصم : «مَجراها » بفتح الميم وكسر الراء ، وكلهم{[6346]} ضم الميم من «مُرساها » وقرأ الأعمش وابن مسعود «مَجراها ومَرساها » بفتح الميمين ، وذلك من الجري والرسو ؛ وهذه ظرفية مكان ، ومن ذلك قول عنترة : [ الكامل ]
فصبرت نفساً عند ذلك حرة*** ترسو إذا نفس الجبان تطلع{[6347]}
واختار الطبري قراءة «مَجريها وُمرساها » بفتح الميم الأولى وضم الثانية ، ورجحها بقوله تعالى : { وهي تجري } ، ولم يقرأ أحد ، «تجري » وهي قراءة ابن مسعود أيضاً رواها عنه أبو وائل ومسروق . وقرأ ابن وثاب وأبو رجاء العطاردي والنخعي والجحدري والكلبي والضحاك بن مزاحم ومسلم بن جندب وأهل الشام : «مجريها ومرسيها » وهما على هذه القراءة صفتان لله تعالى عائدتان على ذكره في قوله { بسم الله }{[6344]} .
وقوله { إن ربي لغفور رحيم } تنبيه لهم على قدر نعم الله عليهم ورحمته لهم وستره عليهم وغفرانه ذنوبهم بتوبتهم وإنابتهم .