قوله سبحانه وتعالى حكاية عن نوح وأهله { وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها } الآية . فيه أبحاث الأول : أن الركوب متعد بنفسه يقال : ركبت الدابة والبحر والسفينة أي علوتها . فما الفائدة في زيادة لفظة " في " ؟ قال الواحدي : فائدته أن يعلم أنه أمرهم بأن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهره . الثاني قوله : { بسم الله } إما أن تتعلق بقوله : { اركبوا } حالاً من الواو أي مسمين الله ، أو قائلين باسم الله { ومجريها ومرسيها } مصدران حذف منهما الوقت المضاف كقولهم : جئتك خفوق النجم ومقدم الحاج ، أو يراد مكان الإجراء والإرساء أو زمانها . وانتصابهما بما في بسم الله من معنى الفعل ، أو بالقول المقدر . وعلى التقادير يكون مجموع قوله : { وقال اركبوا } إلى قوله : { ومرساها } كلاماً واحداً . وإما أن يكون { باسم الله مجريها ومرساها } كلاماً آخر من مبتدإ وخبر أي باسم الله إجراؤها وإرساؤها . يروى أنه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست . ويجوز أن يقحم الاسم كقوله : تم اسم السلام عليكما ، ويراد بالله إجراؤها وإرساؤها ، وكان نوح أمرهم بالركوب أوّلاً ثم أخبرهم بأن إجراءها وإرساءها بذكر اسم الله أو بأمره وقدرته . وجوز في الكشاف أن تكون هذه الجملة في موضع الحال من ضمير الفلك ولا تكون جملة مستأنفة ولكن فضلة من تتمة الكلام الأول كأنه قال اركبوا فيها مقدرين أن إجراءها وإرساءها باسم لله تعالى . يقال : رسا الشيء يرسو إذا ثبت ، وأرساه غيره . يروى أنها سارت لأول يوم من رجب أو لعشر مضين منه فسارت ستة أشهر ثم استوت على الجودي يوم العاشر من المحرم . ويروى أنها مرت بالبيت وطافت به سبعاً فأعتقها الله من الغرق . البحث الثالث قوله : { إن ربي لغفور رحيم } كيف ناسب مقام الإهلاك وإظهار العزة ؟ والجواب كان القوم اعتقدوا أنهم نجوا ببركة إيمانهم وعملهم ، فنبههم الله تعالى بهذا الذكر على أن الإنسان في كل حال من أحواله لا ينفك عن ظلمات الخطأ والزلل فيحتاج إلى مغفرة الله ورحمته . وفي الآية إشارة إلى أن العاقل إذا ركب في سفينة الفكر ينبغي أن يكون قد برىء من حوله وقوته وقطع النظر عن الأسباب وربط قلبه وعلق همته بفضل واهب العقل بلسان الحال باسم الله مجريها ومرسيها حتى تصل سفينة فكره إلى ساحل الإيقان ، وتتخلص عن أمواج الشبه والظنون والأوهام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.