قوله تعالى : { وَقَالَ } : يجوز أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ نوح عليه السلام ، ويجوز أن يكونَ ضمير الباري تعالى أي : وقال اللَّه لنوح ومَنْ معه . و " فيها متعلقٌ ب " اركبوا " وعُدِّي ب " في " لتضمُّنه معنى " ادخلوا فيها راكبين " أو سيروا فيها . وقيل : تقديره : اركبوا الماء فيها . وقيل : " في " زائدةٌ للتوكيد .
قوله : { بِسْمِ اللَّهِ } يجوز أن يكونَ هذا الجار والمجرور حالاً من فاعل " اركبوا " أو مِنْ " ها " في " فيها " ، ويكون " مجراها " و " مرساها " فاعلين بالاستقرار الذي تَضَمَّنه الجارُّ لوقوعه حالاً . ويجوز أن يكونَ " بسم اللَّه " خبراً مقدماً ، و " مَجْراها " بتدأً مؤخراً ، والجملة أيضاً حالٌ مما تقدَّم ، وهي على كلا التقديرين حالٌ مقدَّرةٌ كذا أعربه أبو البقاء وغيرُه . إلا أنَّ مكيَّاً منع ذلك لخلوِّ الجملة من ضمير يعود على ذي الحال إذا أَعْرَبْنا الجملةَ أو الجارَّ حالاً من فاعل " اركبوا " قال : " ولا يَحْسُنُ أن تكونَ هذه الجملةُ حالاً من فاعل " اركبوا " لأنه لا عائدَ في الجملةِ يعودُ على المضمر في " اركبوا " ؛ لأن المضمرَ في " بسم اللَّه " إنْ جَعَلْتَه خبراً ل " مَجْراها " فإنما يعود على المبتدأ وهو مجراها ، وإن رَفَعْتَ " مجراها " بالظرفِ لم يكن فيه ضميرُ الهاء في " مجراها " وإنما تعود على الضمير في " فيها ، وإذا نَصَبْتَ " مجراها " على الظرفِ عَمِل فيه " بسم اللَّه " ، وكانت الجملةُ حالاً من فاعل " اركبوا " .
وقيل : { بِسْمِ اللَّهِ } حال من فاعل " اركبوا " ومَجْراها ومُرْساها في موضع الظرف المكاني أو الزماني ، والتقدير : اركبوا فيها مُسَمِّين موضعَ جريانها ورُسُوِّها ، أو وقتَ جريانِها ورسوِّها . والعامل في هذين الظرفين حينئذٍ ما تضمَّنه " بسم اللَّه " من الاستقرار ، والتقدير : اركبوا فيها متبرِّكين باسم اللَّه في هذين المكانين أو الوقتين . قال مكي : " ولا يجوزُ أن يكونَ العاملُ فيهما " اركبوا " لأنه لم يُرِدْ : اركبوا فيها في وقت الجَرْي والرسُوِّ ، إنما المعنى : سَمُّوا اسمَ اللَّه في وقت الجَرْي والرسوِّ " .
ويجوزُ أيضاً أن يكون " مَجْراها ومُرْساها " مصدرين ، و " بسم اللَّه " حالٌ كما تقدَّم ، رافعاً لهذين المصدرين على الفاعلين أي : استقرَّ بسم اللَّه إجراؤها وإرساؤها ، ولا يكون الجارُّ حينئذٍ إلا حالاً من " ها " في " فيها " لوجود الرابط ، ولا يكون حالاً من فاعل " اركبوا " لعدمِ الرابط .
وعلى هذه الأعاريبِ يكون الكلامُ جملةً واحدةً . ويجوز أن يكون { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرياهَا وَمُرْسَاهَا } جملةً مستأنفة لا تعلُّق لها بالأولى من حيث الإِعراب ، ويكون قد أمرهم في الجملة الأولى بالركوب ، وأخبر أن مجراها ومُرْساها باسم اللَّه ، وفي التفسير : كان إذا قال : " بسم اللَّه " وقَفَتْ ، وإذا قالها جَرَتْ عند إرادته ذلك ، فالجملتان محكيَّتان ب " قال " .
وقرأ الأخوان وحفص " مَجْراها " بفتح الميم والباقون بضمها . واتفق السبعة على ضمِّ ميم " مُرْساها " . وقد قرأ ابن مسعود وعيسى الثقفي وزيد بن علي والأعمش " مَرْساها " بفتح الميم أيضاً . فالضمُّ فيهما لأنهما مِنْ أَجْرى وأرسى ، والفتح لأنهما مِنْ جَرَتْ ورَسَتْ وهما : إمَّا ظرفا زمان أو مكان أو مصدران ، على ما سبق من التقادير .
وقرأ الضحاك والنخعي وابن وثاب ومجاهد وأبو رجاء والكلبي والجحدري وابن جندب " مُجْرِيها ومُرْسِيها " بكسر الراء بعدهما ياء صريحة ، وهما اسما فاعلَيْن مِنْ أجرى وأَرْسى ، وتخريجُهما على أنهما بدلان من اسم اللَّه . وقال ابن عطية وأبو البقاء ومكي : إنهما نعتان للَّه تعالى ، وهذا الذي ذكروه إنما يتمُّ على تقديرِ كونهما معرفتين بتمحض الإِضافة وقد قال الخليل : " إنَّ كلَّ إضافةٍ غيرُ محضةٍ قد تُجْعل مَحْضة إلا إضافةَ الصفةِ المشبهة فلا تتمحَّض " .
وقال مكي : " ولو جُعِلت " مجراها " و " مرساها " في موضع اسم الفاعل لكانت حالاً مقدرة ، ولجازَ ذلك ولَجَعَلْتَها في موضع نصبٍ على الحال من اسم اللَّه تعالى " قلت : وقد طَوَّل مكي رحمه اللَّه تعالى كلامه في هذه المسألة ، وقال في آخرها : " وهذه المسألةُ يُوقف فيها على جميع ما كان في الكلام والقرآن مِنْ نظيرها ، وذلك لمَنْ فَهمها حقَّ فَهْما وتدبَّرها حَقَّ تدبُّرها فهي من غُرَر المسائِل المُشْكلة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.