( ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ) . . ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله . . وضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان . وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب . وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين .
ألا تجد ذلك في العبء الذي أنقض ظهرك ? ألا تجد عبئك خفيفا بعد أن شرحنا لك صدرك ?
وقوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقل ظهرك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمَ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ يعني : الشرك الذي كان فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : شرح له صدرَه ، وغفر له ذنبَه الذي كان قبل أن يُنَبأ ، فوضعه .
وفي قوله : الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ قال : أثقله وجهده ، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل ، حتى يصير نِقْضا بعد أن كان سمينا وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ قال : ذنبك الذي أنقض ظهرك : أثقل ظهرَك ، ووضعناه عنك ، وخفّفنا عنك ما أثقل ظهرَك .
و { أنقض } معناه جعله نقضاً ، أي هزيلاً معيباً من الثقل ، وقيل معناه أسمع له نقيضاً وهو الصوت ، وهو مثل نقيض السفن وكل ما حملته ثقلاً فإنه ينتقض تحته ، وقال عباس بن مرداس : [ الطويل ]
وأنقض ظهري ما تطوقت منهم . . . وكنت عليهم مشفقاً متحننا{[11885]}
و { أنقض } جعل الشيءَ ذا نقيض ، والنقيض صوت صرير المحمل والرحْل وصوتُ عظام المفاصل ، وفرقعةُ الأصابع ، وفعله القاصر من باب نصر ويعدّى بالهمزة .
وإسناد { أنقض } إلى الوِزر مجاز عقلي ، وتعديته إلى الظهر تَبع لتشبيه المشقة بالحمل ، فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاققِ الشديدة ، بالحَمولة المثقلة بالإِجمال تثقيلاً شديداً حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير . وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه .
ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم .
واعلم أن في قوله : { أنقض ظهرك } اتصالَ حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلماتتِ بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء .
والعرب فُصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل ، ومثل ذلك قوله تعالى : { وسبحه } [ الإنسان : 26 ] في اجتماع الحاء مع الهاء ، وذلك حيث لا يصح الإدغام . وقد أوصى علماء التجويد بإظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله : { ويوم يعض الظالم } [ الفرقان : 27 ] ولها نظائر في القرآن .
وهذه الآية هي المشتهرة ولم يزل الأيمة في المساجد يتوخون الحذر من إبدال أحد هذين الحرفين بالآخر للخلاف الواقع بين الفقهاء في بطلان صلاة اللحَّان ومَن لا يحسن القراءة مطلقاً أو إذا كان عَامداً إذا كان فذاً وفي بطلان صلاة من خلفه أيضاً إذا كان اللاحن إماماً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك ، لقوله :{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } [ الفتح : 1 ، 2 ] يا محمد . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ" قال : أثقله وجهده ، كما يُنْقِضُ البعيرَ حِمْله الثقيل ، حتى يصير نِقْضا بعد أن كان سمينا، "وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ" قال : ذنبك الذي أنقض ظهرك : أثقل ظهرَك ، ووضعناه عنك ، وخفّفنا عنك ما أثقل ظهرَك . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ الذي أنقض ظهرك } أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل ، وذلك هو ما دهمه عندما أمر بإنذار قومه ومفاجأتهم بما يكرهون عن عيب دينهم وتضليل آبائهم وتسفيه حلومهم في التدين بدين لا يرضاه أدنى العقلاء إذا تأمل شيئاً من تأمل مع التجرد من حظ النفس مع ما عندهم من الأنفة والحمية وإلقاء الأنفس في المهالك لأدنى غضب......
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
اللّه سبحانه وضع عنك أيّها النّبي ذلك الحمل الثقيل القاصم الظهر . وأي حمل وضعه اللّه عن نبيّه ؟ القرائن في الآيات تدل على أنّه مشاكل الرسالة والنّبوّة والدعوة إلى التوحيد وتطهير المجتمع من ألوان الفساد ، وليس نبيّ الإسلام وحده بل كلّ الأنبياء في بداية الدعوة واجهوا مثل هذه المشاكل الكبرى ، وتغلبوا عليها بالإمداد الإلهي وحده ، مع فارق في الظروف ، فبيئة الدعوة الإسلامية كانت ذات عقبات أكبر ومشاكل . .