ولذلك وصفه بقوله : { الذي أنقض ظهرك * } أي جعله وهو عماد بدنك تصوت مفاصله من الثقل كما يصوت الرحل الجديد إذا لز بالحمل الثقيل ، وذلك هو ما دهمه عندما أمر بإنذار قومه ومفاجأتهم بما يكرهون عن عيب دينهم وتضليل آبائهم وتسفيه حلومهم في التدين بدين لا يرضاه أدنى العقلاء إذا تأمل شيئاً من تأمل مع التجرد من حظ النفس مع ما عندهم من الأنفة والحمية وإلقاء الأنفس في المهالك لأدنى غضب ، فقال :
" يا رب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة " فخفف سبحانه وتعالى عنه ذلك بما أظهر له من الكرامات وأيده به من المعجزات ، وضمن له من الحماية إلى أمور لا يحيط بها علماً إلا الذي أيده بها
{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة : 67 ] حتى خف ذلك عليه ، فصار أشفق أهله عليه يمنعه من بعض الإبلاغ ويمسك بثوبه لئلا يخرج إلى النار فيقول لهم ذلك فيحصل له ما يكره فيجذب نفسه منه ويخرج إليهم فيخبرهم كما وقع في أمر الإسراء وغيره ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن جبريل عليه الصلاة والسلام شق صدره فأخرج منه قلبه فشرحه وأخرج منه علقة سوداء فأنقاه وغسله ثم ملأه علماً وإيماناً وحكمة ، يعني فصار يحتمل ما لا يحتمله غيره ، وخف عليه ما يثقل على غيره ، ولا شك أن ذلك وزر لغوي ، وهو واضح ، وشرعي بالمال على تقدير ترك الامتثال اللازم للاستثقال ، وقد أعاذه الله من ذلك .
وقال الأستاذ أبو جعفر ابن الزبير : معنى هذه السورة من معنى السورة قبلها ، وحاصل السورتين تعداد نعمه سبحانه وتعالى عليه ، فإن قلت : فلم فصلت سورة ألم نشرح ولم ينسق ذكر هذه النعم في سورة واحدة ، قلت : من المعهود في البشر فيمن عدد على ولده أو عبده نعماً أن يذكر له أولاً ما شاهد الحصول عليه منها بسببه مما يمكن أن يتعلق في بعضها بأن ذلك وقع جزاء لا ابتداء ، فإذا استوفى له ما قصده من هذا ، أتبعه بذكر نعم ابتدائية قد كان ابتداؤه بها قبل وجوده كقول الأب مثلاً لابنه : ألم أختر لأجلك الأم والنفقة حيث استولدتك وأعددت من مصالحك كذا وكذا ، ونظير ما أشرنا إليه بقوله سبحانه لزكريا عليه الصلاة والسلام
{ ولم تك شيئاً }[ مريم : 9 ] وقد قدم له { إنا نبشرك بيحيى }[ مريم : 7 ] وتوهم استبداد الكسبية في وجود الولد غير خافية في حق من قصر نظره ولم يوفق فابتدىء بذكرها ثم أعقب بما لا يمكن أن يتوهم فيه ذلك ، وهو قوله :
( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً }[ مريم : 9 ] وله نظائر من الكتب وعليه جاء ما ورد في هاتين السورتين - والله أعلم - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.