وقوله : { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } كنا نحدّث أن علم اليقين أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يعني بهذا - والله أعلم - إبطال ما كانوا عليه من الظنون والحسبان في هذه الدنيا . ألا ترى إلى قوله تعالى : { ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا } ؟ ( الجاثية : 32 ) فإذا نزل بهم العذاب تحقق عندهم ، وعلموا علما يقينا . فقال بعضهم : { كلا سوف تعلمون } حين نزل بكم الموت { ثم كلا سوف تعلمون } في القبر ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعناه ارتدعوا وانزجروا ، لو تعلمون علم اليقين ، وهو الذي يثلج الصدر بعد اضطراب الشك ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ثم كرّر التنبيه أيضاً وقال : { لَّوْ تَعْلَمُونَ } محذوف الجواب ، يعني : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين - أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعملها هممكم - لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ؛ ولكنكم ضلال جهلة . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة ، و { اليقين } أعلى مراتب العلم . ...
واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن ، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا، أي لكان كذا ، قال الله تعالى : { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } ولم يجيء له جواب وقال : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم }. إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوها؛
( أحدها ) : قال الأخفش : { لو تعلمون علم اليقين } ما ألهاكم التكاثر.
( وثانيها ) : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به.
( وثالثها ) : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم ...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لما فقد منكم علم اليقين ، وهو العلم الذي يصل به صاحبه إلى حد الضروريات ، التي لا يشك ولا يمارى في صحتها وثبوتها . ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ، ولترتب أثره عليه . فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه . فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد . فإذا صار عين يقين ، كجملة المشاهدات ، كان تخلف موجبه عنه أندر شيء .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ كلا } أي ليشتد ارتداعكم عن التكاثر ، فإنه أساس كل بلاء ، فإنكم { لو تعلمون } أيها المتكاثرون . ولما كان العلم قد يطلق على الظن رفع مجازه بقوله : { علم اليقين } ، أي لو يقع لكم علم على وجه اليقين مرة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم ، فلم يلهكم التكاثر ....فحذف هذا الجواب بعد حذف المفعول للتفخيم ، فهو إشارة إلى أنه لا يقين غيره ، والمعنى أن أعمالكم أعمال من لا يتيقنه ....
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
...وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
وعين اليقين : ما كان عن مشاهدة .
وحق اليقين : ما كان عن ملابسة ومخالطة ، كما يحصل العلم بالكعبة ، وجهتها فهو علم اليقين ، فإذا رآها فهو عين اليقين بوجودها ، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها . واللَّه تعالى أعلم .