نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ} (5)

ولما كان هذا أمراً صادعاً ، أشار إلى أنه يكفي هذه الأمة المرحومة التأكيد بمرة ، فقال مردداً للأمر ، بين تأكيد الردع ثالثاً بالأداة الصالحة له ، ولأن تكون لمعنى حقاً كما يقوله أئمة القراءة ، { كلا } أي ليشتد ارتداعكم عن التكاثر ، فإنه أساس كل بلاء ، فإنكم { لو تعلمون } أيها المتكاثرون .

ولما كان العلم قد يطلق على الظن رفع مجازه بقوله : { علم اليقين * } ، أي لو يقع لكم علم على وجه اليقين مرة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم ، فلم يلهكم التكاثر ، ولضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون ، فحذف هذا الجواب بعد حذف المفعول للتفخيم ، فهو إشارة إلى أنه لا يقين غيره ، والمعنى أن أعمالكم أعمال من لا يتيقنه . قال الرازي : واليقين مركب الأخذ في هذا الطريق ، وهو غاية درجات العامة ، وأول خطوة الخاصة . قال عليه الصلاة والسلام : " خير ما ألقي في القلب اليقين " ، وعلم قبول ما ظهر من الحق ، وقبول ما غاب للحق ، والوقوف على ما قام بالحق . والآية من الاحتباك : ذكر الإلهاء أولاً ، وحذف سببه وهو الجهل لدلالة الثاني عليه ، وذكر ثانياً العلم الذي هو الثمرة وحذف ما يتسبب عنه من عدم اللهو الذي هو ضد الأول .