مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ} (5)

قوله تعالى : { كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اتفقوا على أن جواب ( لو ) محذوف ، وأنه ليس قوله : { لترون الجحيم } جواب ( لو ) ويدل عليه وجهان ( أحدهما ) : أن ما كان جواب لو فنفيه إثبات ، وإثباته نفي ، فلو كان قوله : { لترون الجحيم } جوابا للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية ، وذلك باطل ، فإن هذه الرؤية واقعة قطعا ، فإن قيل : المراد من هذه الرؤية رؤيتها بالقلب في الدنيا ، ثم إن هذه الرؤية غير واقعة قلنا : ترك الظاهر خلاف الأصل ( والثاني ) : أن قوله : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } إخبار عن أمر سيقع قطعا ، فعطفه على مالا يوجد ولا يقع قبيح في النظم ، واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن ، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا أي لكان كذا ، قال الله تعالى : { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } ولم يجيء له جواب وقال : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوها ( أحدها ) : قال الأخفش : { لو تعلمون علم اليقين } ما ألهاكم التكاثر ( وثانيها ) : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به ( وثالثها ) : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم ، وكأنه قال : { لو علمتم علم اليقين } لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ، ولكنكم ضلال وجهلة