اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ} (5)

قوله : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ } جواب «لَوْ » محذوف ، أي : لفعلتم ما لا يوصف .

وقيل : التقدير : لرجعتم عن كفركم .

قال ابن الخطيب{[60785]} : وجواب «لَوْ » محذوف ، وليس «لترونَّ » جوابها ؛ لأن هذا مثبت ، وجواب «لو » يكون منفياً ، ولأنه عطف عليه قوله : «ثُمَّ لتُسْألُنَّ » ، وهو مستقبل ، لا بد من وقوعه ، وحذف جواب «لَوْ » كثير .

قال الأخفش : التقدير : لو تعلمُون علم اليقين ما ألهاكم .

وقيل : لو تعلمون لماذا خلقتم لاشتغلتم ، وحذفُ الجواب أفخر ؛ لأنه يذهب الوهم معه كل مذهب ، قال تعالى : { لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ } [ الأنبياء : 39 ] ، وقال تعالى : { وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ } [ الأنعام : 30 ] ، وأعاد «كلاَّ » ، وهو زجر وتنبيه ؛ لأنه عقب كل واحد بشيء آخر ، كأنه قال : لا تفعلُوا ، فإنكم تندمون ، لا تفعلوا ، فإنكم تستوجبون العقاب .

و{ عِلْمَ اليقين } مصدر .

قيل : وأصله العلم اليقين ، فأضيف الموصوف إلى صفته .

وقيل : لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن العلم يكون يقيناً وغير يقين ، فأضيف إليه إضافة العام للخاص ، وهذا يدل على أنَّ اليقينَ أخصُّ .

فصل في المراد باليقين

قال المفسِّرون : أضاف العلم إلى اليقين ، كقوله تعالى : { لَهُوَ حَقُّ اليقين } [ الواقعة : 95 ] ، قال قتادة : اليقين هنا : الموت{[60786]} .

وعنه أيضاً : البعث{[60787]} ؛ لأنه إذا جاء زال الشكُّ ، أي : لو تعلمون علم البعث أو الموت ، فعبر عن الموت باليقين ، كقولك : علم الطب ، وعلم الحساب ، والعلم من أشد البواعث على الفعل ، فإذا كان بحيث يمكن العمل ، كان تذكرة ، وموعظة ، وإن كان بعد فوات العمل كان حسرة ، وندامة ، وفيها تهديد عظيم للعلماء ، الذين لا يعملون بعلمهم .


[60785]:ينظر: الفخر الرازي 32/75.
[60786]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/680)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/660)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60787]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/680)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/660)، وعزاه إلى الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.