وقبل موسى - عليه السلام - تحدي فرعون له ؛ واختار الموعد يوم عيد من الأعياد الجامعة ، يأخذ فيه الناس في مصر زينتهم ، ويتجمعون في الميادين والأمكنة المكشوفة ؛ ( قال : موعدكم يوم الزينة ) . وطلب أن يجمع الناس ضحى ، ليكون المكان مكشوفا والوقت ضاحيا . فقابل التحدي بمثله وزاد عليه اختيار الوقت في أوضح فترة من النهار وأشدها تجمعا في يوم العيد . لا في الصباح الباكر حيث لا يكون الجميع قد غادروا البيوت . ولا في الظهيرة فقد يعوقهم الحر ، ولا في المساء حيث يمنعهم الظلام من التجمع أو من وضوح الرؤية . . ! !
وانتهى المشهد الأول من مشاهد اللقاء بين الإيمان والطغيان في الميدان . .
{ قال } لَهُمْ مُوسَى { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ } وهو يوم عيدهم ونَوروزُهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماعهم جميعهم ؛ ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء ، ومعجزات الأنبياء ، وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية ، ولهذا قال : { وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ } أي : جميعهم { ضُحًى } أي : ضحوة من النهار ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح ، وهكذا شأن الأنبياء ، كل أمرهم واضح ، بيّن ، ليس فيه خفاء ولا ترويج ؛ ولهذا لم يقل " ليلا " ولكن نهارًا ضحى .
قال ابن عباس : وكان يوم الزينة يوم عاشوراء .
وقال السدي ، وقتادة ، وابن زيد : كان يوم عيدهم .
وقال سعيد بن جبير : يوم سوقهم .
ولا منافاة . قلت : وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده ، كما ثبت في الصحيح .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى * فَتَوَلّىَ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمّ أَتَىَ } .
يقول تعالى ذكره : قال موسى لفرعون ، حين سأله أن يجعل بينه وبينه موعدا للاجتماع : موعدكم للاجتماع يَوْمُ الزّينَةِ يعني يوم عيد كان لهم ، أو سوق كانوا يتزيّنون فيه وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ يقول : وأن يُساق الناس من كلّ فجّ وناحية ضُحًى فذلك موعد ما بيني وبينك للاجتماع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى " فإنه يوم زينة يجتمع الناس إليه ويحشر الناس له .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج " قال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ " قال : يوم زينة لهم ، ويوم عيد لهم وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى إلى عيد لهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد يَوْمُ الزّينَةِ قال : يوم السوق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يَوْمُ الزّينَةِ : موعدهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قال موسى : " مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى " وذلك يوم عيد لهم .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد حدثنا سعيد ، عن قتادة " قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ " يوم عيد كان لهم . وقوله : " وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى " يجتمعون لذلك الميعاد الذي وعدوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " قالَ مَوْعَدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ " قال : يوم العيد ، يوم يتفرّغ الناس من الأعمال ، ويشهدون ويحضُرون ويرون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةُ " يوم عيد كان فرعون يخرج له " وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى " حتى يحضروا أمري وأمرك ، وأنّ من قوله " وأنْ يحْشَرَ النّاسُ ضُحًى " رفع بالعطف على قوله يَوْمُ الزّينَةِ . وذُكر عن أبي نهيك في ذلك ما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك يقول : " وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضحًى " يعني فرعون يحشر قومه .
{ قال موعدكم يوم الزينة } من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم ، أو بإضمار مثل مكان موعدكم مكان يوم الزينة كما هو على الأول ، أو وعدكم وعد يزم الزينة ، وقرئ { يوم } بالنصب وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر ، ومعنى سوى منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك وهو في النعت كقولهم : قوم عدى في الشذوذ ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بالضم ، وقيل في " يوم الزينة " يوم عاشوراء ، أو يوم النيروز ، أو يوم عيد كان لهم في كل عام ، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الأقطار . { وأن يحشر الناس ضحى } عطف على ال{ يوم } أو { الزينة } ، وقرئ على البناء للفاعل بالتاء على خطاب فرعون والياء على أن فيه ضمير ال{ يوم } أو ضمير { فرعون } على أن الخطاب لقومه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.