والظاهر أن { موعداً } هنا هو زمان أي فعين لنا وقت اجتماع ولذلك أجاب بقوله { قال موعدكم يوم الزينة } ومعنى { لا نخلفه } أي لا نخلف ذلك الوقت في الاجتماع فيه وقدره بعضهم مكاناً معلوماً وينبوعه قوله { موعدكم يوم الزينة } .
وقال القشيري : الأظهر أنه مصدر ولذلك قال { لا نخلفه } أي ذلك الموعد والإخلاف أن يعد شيئاً ولا ينجزه .
وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في قوله { موعدكم يوم الزينة } مطابق له لزمك شيئان أن يجعل الزمان مخلفاً وأن يعضل عليك ناصب { مكاناً } وإن جعلته مكاناً لقوله { مكاناً سُوى } لزمك أيضاً أن يقع الإخلاف على المكان وأن لا يطابق قوله { موعدكم يوم الزينة } وقراءة الحسن غير مطابقة له { مكاناً } جميعاً لأنه قرأ { يوم الزينة } بالنصب فبقي أن يجعل مصدراً بمعنى الوعد ، ويقدر مضاف محذوف أي مكان موعد .
ويجعل الضمير في { نخلفه } و { مكاناً } بدل من المكان المحذوف .
فإن قلت : كيف طابقته قوله { موعدكم يوم الزينة } ولا بد من أن تجعله زماناً والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان ؟ قلت : هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظاً لأنه لا بد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه مشتهراً باجتماعهم فيه في ذلك اليوم ، فبذكر الزمان علم المكان .
وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر لا غير ، والمعنى إنجاز وعدكم يوم الزينة وطابق هذا أيضاً من طريق المعنى ، ويجوز أن يقدر مضاف محذوف ويكون المعنى اجعل { بيننا وبينك } وعداً { لا نخلفه } فإن قلت : فبم ينتصب { مكاناً } ؟ قلت : بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر ، فإن قلت : كيف يطابقه الجواب ؟ قلت : أما على قراءة الحسن فظاهر ، وأما على قراءة العامة فعلى تقدير وعدكم وعد يوم الزينة .
ويجوز على قراءة الحسن أن يكون { موعدكم } مبتدأ بمعنى الوقت و { ضحى } خبره على نية التعريف فيه لأنه قد وصف قبل العمل بقوله { لا نخلفه } وهو موصول ، والمصدر إذا وصف قبل العمل لم يجز أن يعمل عندهم .
وقوله و { ضحى } خبره على نية التعريف فيه ، لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه ، هو وإن كان ضحى ذلك اليوم بعينه ليس على نية التعريف بل هو نكرة ، وإن كان من يوم بعينه لأنه ليس معدولاً عن الألف واللام كسحر ولا هو معرف بالإضافة .
ولو قلت : جئت يوم الجمعة بكراً لم ندع أن بكراً معرفة وإن كنا نعلم أنه من يوم بعينه .
وقرأ أبو جعفر وشيبة لا نَخلفْهُ بجزم الفاء على أنه جواب الأمر .
وقرأ الجمهور برفعها صفة لموعد .
وقال الحوفي { موعداً } مفعول اجعل { مكاناً } ظرف العامل فيه اجعل .
وقال أبو علي { موعداً } مفعول أولا لاجعل و { مكاناً } مفعول ثان ، ومنع أن يكون { مكاناً } معمولاً لقوله { موعداً } لأنه قد وصف .
قال ابن عطية : وهذه الأسماء العاملة عمل الفعل إذا نعتت أو عطف عليها أو أخبر عنها أو صغرت أو جمعت وتوغلت في الأسماء كمثل هذا لم تعمل ولا يعلق بها شيء هو منها ، وقد يتوسع في الظروف فيعلق بعد ما ذكرنا لقوله عز وجل { ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان } فقوله إذ متعلق بقوله لمقت .
وهو قد أخبر عنه وإنما جاز هذا في الظروف خاصة ومنع قوم أن يكون { مكاناً } نصباً على المفعول الثاني لنخلفه ، وجوزه جماعة من النحاة ووجهه أن يتسع في أن يخلف الموعد انتهى .
وقوله إذا نعت هذا ليس مجمعاً عليه في كل عامل عمل الفعل ، ألا ترى اسم الفاعل العاري عن أل إذا وصف قبل العمل في إعماله خلاف البصريون يمنعون والكوفيون يجوزون ، وكذلك أيضاً إذا صغر في إعماله خلاف ، وأما إذا جمع فلا يعلم خلاف في جواز إعماله ، وأما المصدر إذا جمع ففي جواز إعماله خلاف ، وأما استثناؤه من المعمولات الظروف فغيره يذهب إلى منع ذلك مطلقاً في المصدر ، وينصب إذ بفعل يقدر بما قبله أي مقتكم إذ تدعون .
{ ولا أنت } معطوف على الضمير المستكن في { نخلفه } المؤكد بقوله { نحن } .
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب والحسن وقتادة وطلحة والأعمش وابن أبي ليلى وأبو حاتم وابن جرير { سُوًى } بضم السين منوناً في الوصل .
وقرأ باقي السبعة بكسرها منوناً في الوصل .
وقرأ الحسن أيضاً { سُوى } بضم السين من غير تنوين في الحالين أجرى الوصل مجرى الوقف لا أنه منعه الصرف لأن فعلاً من الصفات متصرف كحطم ولبد .
وقرأ عيسى سِوَى بكسر السين من غير تنوين في الحالين أجرى الوصل أيضاً مجرى الوقف ، ومعنى { سُوًى } أي عدلاً ونصفة .
قال أبو علي : كأنه قال قربه منكم قربه منا .
وقال غيره : إنما أراد أن حالنا فيه مستوية فيعم ذلك القرآن ، وأن تكون المنازل فيه واحدة في تعاطي الحق لا تعترضكم فيه الرئاسة وإنما يقصد الحجة .
وعن مجاهد وهو من الاستواء لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية لا تفاوت فيها ، وهذا معنى ما تقدم من قول أبي عليّ قربه منكم قربه منا .
وقال الأخفش { سوى } مقصور إن كسرت سينه أو ضممت ، وممدود إن فتحتها ثلاث لغات ويكون فيها جميعاً بمعنى غير وبمعنى عدل ، ووسط بين الفريقين .
وإن أبانا كان حل بأهله سوى*** بين قيس قيس غيلان والفزر
قال : وتقول مررت برجل سواك وسواك وسواك أي غيرك ، ويكون للجميع وأعلى هذه اللغات الكسر قاله النحاس .
وقالت فرقة : معنى { مكاناً سُوًى } مستوياً من الأرض أي لا وَعر فيه ، ولا جبل ، ولا أكمة ، ولا مطمئن من الأرض بحيث يسير ناظر أحد فلا يرى مكان موسى والسحرة وما يصدر عنهما ، قال ذلك واثقاً من غلبة السحرة لموسى فإذا شاهدوا غلبهم إياه رجعوا عما كانوا اعتقدوا فيه .
وقالت فرقة : معناه مكاناً سوى : مكاننا هذا وليس بشيء لأن سوى إذا كانت بمعنى غير لا تستعمل إلا مضافة لفظاً ولا تقطع عن الإضافة .
وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري وهبيرة والزعفراني يوم الزينة بنصب الميم وتقدم تخريج هذه القراءة في كلام الزمخشري وروي أن { يوم الزينة } كان عيداً لهم ويوماً مشهوداً وصادف يوم عاشوراء ، وكان يوم سبت .
وقيل : هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم .
وقيل : يوم النيروز وكان رأس سنتهم .
وقيل : يوم السبت فإنه يوم راحة ودعة .
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن فائد وأن تحشر بتاء الخطاب أي يا فرعون وروي عنهم بالياء على الغيبة ، والناس نصب في كلتا القراءتين .
قال صاحب اللوامح { وأن يحشر } الحاشر { الناس ضحى } فحذف الفاعل للعلم به انتهى .
وحذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين .
وقال غيره { وأن يحشر } القوم قال ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة ، إما على العادة التي تخاطب بها الملوك أو خاطب القوم لقوله { موعدكم } وجعل { يحشر } لفرعون ويجوز أن يكون { وأن يحشرْ } في موضع رفع عطفاً على { يوم الزينة } وأن يكون في موضع جر عطفاً على { الزينة } وانتصب { ضحًى } على الظرف وهو ارتفاع النهار ، ويؤنث ويذكر والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر وهو عند ارتباع النهار الأعلى ، وإنما واعدهم موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهور دينه وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد ، وفي المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق ، ويكل حد المبطلين وأشياعهم ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر ، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر .
والظاهر أن قوله { قال موعدكم يوم الزينة } من كلام موسى عليه السلام لأنه جواب لقول فرعون { فاجعل بيننا وبينك موعداً } ولأن تعيين اليوم إنما يليق بالمحق الذي يعرف اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس .
ولقوله { موعدكم } وهو خطاب للجميع ، وأبعد من ذهب إلى أنه من كلام فرعون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.