مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى} (59)

قوله تعالى :{ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ، فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ، قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ، فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى } اعلم أن في الآية مسائل :

المسألة الأولى : يحتمل أن قوله تعالى : { قال موعدكم } أن يكون من قول فرعون فبين الوقت ويحتمل أن يكون من قول موسى عليه السلام ، قال القاضي والأول أظهر لأنه المطالب بالاجتماع دون موسى عليه السلام ، وعندي الأظهر أنه من كلام موسى عليه السلام لوجوه . أحدها : أنه جواب لقول فرعون فاجعل بيننا وبينك موعدا . وثانيها : وهو أن تعيين يوم الزينة يقتضي اطلاع الكل على ما سيقع فتعيينه إنما يليق بالمحق الذي يعرف أن اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس . وثالثها : أن قوله : موعدكم خطاب للجمع فلو جعلناه من فرعون إلى موسى وهرون لزم إما حمله على التعظيم وذلك لا يليق بحال فرعون معهما أو على أن أقل الجمع اثنان وهو غير جائز أما لو جعلناه من موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه استقام الكلام .

المسألة الثانية : يوم الزينة قرأ بعضهم بضم الميم وقرأ الحسن بالنصب قال الزجاج : إذا رفع فعلى خبر المبتدأ والمعنى وقت موعدكم يوم الزينة ومن نصب فعلى الظرف معناه موعدكم يقع يوم الزينة وقوله : { وأن يحشر الناس ضحى } معناه موعدكم حشر الناس ضحى فموضع أن يكون رفعا ويجوز فيه الخفض عطفا على الزينة كأنه قال موعدكم يوم الزينة ويوم يحشر الناس ضحى فإن قيل ألستم قلتم في تفسير قوله : { أجعل بيننا وبينك موعدا } إن التقدير اجعل مكان موعد لا نخلفه مكانا سوى فهذا كيف يطابقه الجواب بذكر الزمان ؟ قلنا هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظا لأنهم لا بد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان معين مشهود باجتماع الناس في ذلك اليوم فبذكر الزمان علم المكان .

المسألة الثالثة : ذكر المفسرون في يوم الزينة وجوها . أحدها : أنه يوم عيد لهم يتزينون فيه . وثانيها : قال مقاتل يوم النيروز . وثالثها : قال سعيد بن جبير يوم سوق لهم . ورابعها : قال ابن عباس يوم عاشوراء ، وإنما قال يحشر فإنهم يجتمعون ذلك اليوم بأنفسهم من غير حاشر لهم ، وقرئ وأن يحشر الناس بالياء والتاء يريد وأن تحشر الناس يا فرعون وأن يحشر اليوم ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة ، إما على العادة التي تخاطب بها الملوك أو خاطب القوم بقوله : { موعدكم } وجعل ضمير يحشر لفرعون وإنما أوعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله تعالى وظهور دينه وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع العام ليكثر المحدث بذلك الأمر العجيب في كل بدو وحضر ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر ، قال القاضي : إنه عين اليوم بقوله : { يوم الزينة } ثم عين من اليوم وقتا معينا بقوله : { وأن يحشر الناس ضحى }