وقوله : فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول عزّ ذكره : فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك ، يا محمد إنما تعدّ لهم عدّا يقول : فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما ، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها ، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّما تَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول : أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا ، فهي معدودة كسنهم وآجالهم .
فرع على هذا الاستئناف وهذه التسلية قوله : { فلا تعجل عليهم } أي فلا تستعجل العذاب لهم إنما نُعدّ لهم عَدّاً ، وعبر ب { تَعجل عليهم } معدى بحرف الاستعلاء إكراماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن نزل منزلة الذي هلاكهم بيده . فنهى عن تعجيله بهلاكهم . وذلك إشارة إلى قبول دعائه عند ربّه ، فلو دعا عليهم بالهلاك لأهلكهم الله كيلا يُردّ دعوة نبيئه صلى الله عليه وسلم لأنه يقال : عَجل على فلان بكذا ، أي أسرع بتسليطه عليه ، كما يقال : عجِل إليه إذا أسرع بالذهاب إليه كقوله : { وعجلت إليك ربّ لترضى } [ طه : 84 ] ، فاختلاف حروف تعدية فعل عجل ينبىء عن اختلاف المعنى المقصود بالتعجيل .
ولعل سبب الاختلاف بين هذه الآية وبين قوله تعالى : { ولا تستعجل لهم } في سورة الأحقاف ( 35 ) أنّ المراد هنا استعجال الاستئصال والإهلاك وهو مقدّر كونه على يد النبي ، فلذلك قيل هنا : { فلا تعجل عليهم } ، أي انتظر يومهم الموعود ، وهو يوم بدر ، ولذلك عقب بقوله : { إنّما نعدّ لهم عدّاً } ، أي نُنظرهم ونؤجلهم ، وأنّ العذاب المقصود في سورة الأحقاف هو عذاب الآخرة لوقوعه في خلال الوعيد لهم بعذاب النار لقوله هنالك : { ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } [ الأحقاف : 34 ، 35 ] .
و { إنّما } للقصر ، أي ما نحن إلا نَعُدّ لهم ، وهو قصر موصوف على صفة قصراً إضافياً ، أي نعد لهم ولسنا بناسين لهم كما يظنون ، أو لسنا بتاركينهم من العذاب بل نؤخرهم إلى يوم موعود .
وأفادت جملة { إنما نعدّ لهم عدّاً } تعليل النهي عن التعجيل عليهم لأن { إنما } مركبة من ( إنّ ) و ( ما ) وإنّ تفيد التعليل كما تقدّم غير مرّة .
وقد استعمل العدّ مجازاً في قصر المدّة لأن الشيء القليل يُعدّ ويحسب . وفي هذا إنذار باقتراب استئصالهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك يا محمد،
"إنما نعدّ لهم عدّا" يقول: فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فلا تعجل عليهم} أي لا تكافئهم على أذاهم إياك، ولا تعاقبهم {إنما نعد لهم عدا} أي أنفاسهم [التي] يتنفسون في الدنيا، فهي معدودة، تنقضي آجالهم عن قريب، فلا تكافئهم على ذلك وما يستقبلونك بالمكروه والسوء.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
عجلت عليه بكذا: إذا استعجلته منه، أي: لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا، حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم، وتطهر الأرض بقطع دابرهم، فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعدّ فيها لو عدّت. ونحوه قوله تعالى: {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف: 35]، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35]...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم، {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي: إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله، {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17]...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت مراقبة ناصر الإنسان لعدوه في الحركات والسكنات أكبر شاف للولي ومفرح، وأعظم غائط للعدو ومزعج ومخيف ومقلق، علل ذلك بقوله دالاًّ على أن زمنهم قصير جداً بذكر العد: {إنما نعد لهم} بإمهالنا لهم وإدرارنا النعم عليهم {عداً} لأنفاسهم فما فوقها لا نغفل عنهم بوجه، فإذا جاء أجلهم الذي ضربناه لهم، محونا آثارهم، وأخلينا منهم ديارهم، لا يمكنهم أن يفوتونا، فاصبر فما أردنا بإملائنا لهم إلا إشقاءهم وإرداءهم لا تنعيمهم وإعلاءهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فلا تعجل عليهم) ولا يضق صدرك بهم؛ فإنهم ممهلون إلى أجل قريب، وكل شيء من أعمالهم محسوب عليهم ومعدود.. والتعبير يصور دقة الحساب تصويرا محسوسا (إنما نعد لهم عدا).. وإنه لتصوير مرهوب، فيا ويل من يعد الله عليه ذنوبه وأعماله وأنفاسه، ويتتبعها ليحاسبه الحساب العسير.. إن الذي يحس أن رئيسه في الأرض يتتبع أعماله وأخطاءه يفزع ويخاف ويعيش في قلق وحسبان.. فكيف بالله المنتقم الجبار؟!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فرع على هذا الاستئناف وهذه التسلية قوله: {فلا تعجل عليهم} أي فلا تستعجل العذاب لهم إنما نُعدّ لهم عَدّاً، وعبر ب {تَعجل عليهم} معدى بحرف الاستعلاء إكراماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن نزل منزلة الذي هلاكهم بيده. فنهى عن تعجيله بهلاكهم. وذلك إشارة إلى قبول دعائه عند ربّه، فلو دعا عليهم بالهلاك لأهلكهم الله كيلا يُردّ دعوة نبيئه صلى الله عليه وسلم لأنه يقال: عَجل على فلان بكذا، أي أسرع بتسليطه عليه، كما يقال: عجِل إليه إذا أسرع بالذهاب إليه كقوله: {وعجلت إليك ربّ لترضى} [طه: 84]، فاختلاف حروف تعدية فعل عجل ينبئ عن اختلاف المعنى المقصود بالتعجيل.
ولعل سبب الاختلاف بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {ولا تستعجل لهم} في سورة الأحقاف (35) أنّ المراد هنا استعجال الاستئصال والإهلاك وهو مقدّر كونه على يد النبي، فلذلك قيل هنا: {فلا تعجل عليهم}، أي انتظر يومهم الموعود، وهو يوم بدر، ولذلك عقب بقوله: {إنّما نعدّ لهم عدّاً}، أي نُنظرهم ونؤجلهم، وأنّ العذاب المقصود في سورة الأحقاف هو عذاب الآخرة لوقوعه في خلال الوعيد لهم بعذاب النار لقوله هنالك: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: 34، 35].
و {إنّما} للقصر، أي ما نحن إلا نَعُدّ لهم، وهو قصر موصوف على صفة قصراً إضافياً، أي نعد لهم ولسنا بناسين لهم كما يظنون، أو لسنا بتاركينهم من العذاب بل نؤخرهم إلى يوم موعود.
وأفادت جملة {إنما نعدّ لهم عدّاً} تعليل النهي عن التعجيل عليهم لأن {إنما} مركبة من (إنّ) و (ما) وإنّ تفيد التعليل كما تقدّم غير مرّة.
وقد استعمل العدّ مجازاً في قصر المدّة لأن الشيء القليل يُعدّ ويحسب. وفي هذا إنذار باقتراب استئصالهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فإنّ دقة محتوى هذه الآية يهز الإِنسان، لأنّها تثبت أن كل شيء حتى أنفاسنا خاضعة للحساب والعد، ويجب أن نجيب يوماً على كل هذه الأشياء والأعمال...