قوله تعالى : { هيهات هيهات لما توعدون } قال ابن عباس : هي كلمة بعد ، أي : بعيد ما توعدون ، قرأ أبو جعفر هيهات هيهات بكسر التاء ، وقرأ نصر بن عاصم بالضم ، وكلها لغات صحيحة فمن نصب جعله مثل أين وكيف ، ومن رفع جعله مثل منذ وقط وحيث ، ومن كسر جعله مثل أمس وهؤلاء ، ووقف عليها أكثر القراء بالتاء ، ويروى عن الكسائي الوقف عليها بالهاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا : هَيْهاتَ هَيْهاتَ أي بعيد ما توعدون أيها القوم ، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياء من قبوركم ، يقولون : ذلك غير كائن .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : هَيْهاتَ هَيْهاتَ يقول : بعيد بعيد .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله : هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِمَا تُوعَدُونَ قال : يعني البعث .
والعرب تُدخل اللام مع «هيهات » في الاسم الذي يصحبها ، وتنزعها منه ، تقول : هيات لك هيات ، وهيهاتَ ما تبتغي هيهات وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات ، كأنه قال : بعيد ما ينبغي لك كما قال جرير :
فهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ *** وَهَيْهاتَ خِلّ بالعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ
كأنه قال : العقيق وأهله ، وإنما دخلت اللام مع هيهات في الاسم لأنهم قالوا : «هيهات » أداة غير مأخوذة من فعل ، فأدخلوا معها في الاسم اللام ، كما أدخلوها مع هلمّ لك ، إذ لم تكن مأخوذة من فعل ، فإذا قالوا أقبل ، لم يقولوا لك ، لاحتمال الفعل ضمير الاسم .
واختلف أهل العربية في كيفية الوقف على هيهات ، فكان الكسائي يختار الوقوف فيها بالهاء ، لأنها منصوبة وكان الفرّاء يختار الوقوف عليها بالتاء ، ويقول : من العرب من يخفض التاء ، فدلّ على أنها ليست بهاء التأنيث ، فصارت بمنزلة دَرَاكِ ونَظَارِ وأما نصب التاء فيهما ، فلأنهما أداتان ، فصارتا بمنزلة خمسةَ عَشر . وكان الفراء يقول : إن قيل إن كل واحدة مستغنية بنفسها يجوز الوقوف عليها ، وإن نصبها كنصب قوله : تُمّتَ جلست وبمنزلة قول الشاعر :
ماوِيّ يَارُبّتَما غارةٍ *** شَعْوَاءَ كاللّذْعَةِ بالمِيسَمِ
قال : فنصب «هيهات » بمنزلة هذه الهاء التي في «ربت » ، لأنها دخلت على حرف ، على «ربّ » وعلى «ثم » ، وكانا أداتين ، فلم تغيرها عن أداتهما فنصبا .
واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء الأمصار غير أبي جعفر : هَيْهاتَ هَيْهاتَ بفتح التاء فيهما . وقرأ ذلك أبو جعفر : «هَيْهاتِ هَيْهَاتِ » بكسر التاء فيهما . والفتح فيهما هو القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .
{ هيهات هيهات } بعد التصديق أو الصحة . { لما توعدون } أو بعدما توعدون ، واللام للبيان كما في { هيت لك } كأنهم لما صوتوا بكلمة الاستعباد قيل : فما له هذا الاستعباد ؟ قالوا : { لما توعدون } . وقيل { هيهات } بمعنى البعد ، وهو مبتدأ خبره { لما توعدون } ، وقرىء بالفتح منونا للتكبير ، وباللضم منونا على أنه جمع هيهة وغير منون تشبيها بقبل وبالكسر على الوجهين ، وبالسكون على لفظ الوقف وبإبدال التاء هاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.