94- ولما وقع أمرنا بعذابهم وهلاكهم ، نجينا شعيباً والذين آمنوا معه من العذاب والهلاك ، وكانت نجاتهم بسبب رحمة منا لهم ، وأخذت الظالمين من أهل مدين الصيحة ، والرجفة المهلكة ، فأصبحوا في ديارهم هامدين ، راقدين على وجوههم : لا حراك بهم{[97]} .
ولم يطل انتظار شعيب - عليه السلام - ومراقبته لما يحدث لقومه ، بل جاء عقاب الله - تعالى - لهم بسرعة وحسم ، بعد أن لجوا فى طغيانهم ، وقد حكى - سبحانه - ذلك فقال :
{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا . . }
أى : وحين جاء أمرنا بعذابهم ، وحل أوان هذا العذاب ، نجينا نبينا شعيبا ونجينا الذين آمنوا به وصدقوه ، حالة كونهم مصحوبين برحمة عظيمة كائنة منا لا من غيرنا .
{ وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ } من قومه { الصَّيْحَةُ } التى زلزلتهم وأهلكتهم { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ } التى كانوا يسكنونها .
{ جَاثِمِينَ } أى : هامدين ميتين لا تحس لهم حركة ، ولا تسمع لهم ركزا . .
من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإِبل ، يقال ، جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره ولزم مكانه فلم يبرحه .
{ ولما جاء أمرنا نجّينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا } إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله : { وعد غير مكذوب } وقوله : { إن موعدهم الصبح } فلذلك جاء بفاء السببية . { وأخذت الذين ظلموا الصّيحة } قيل صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا . { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } ميتين ، وأصل الجثوم اللزوم في المكان .
وقوله تعالى : { ولما جاء أمرنا } الآية ، «الأمر » ها هنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه ، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم ، وأما { الصيحة } فهي صيحة جبريل عليه السلام ، وروي أنه صاح بهم ، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه ، و «الجثوم » أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض ، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه .
عُطف { لما جاء أمرنا } هنا وفي قوله في قصة عاد { ولمّا جاء أمرنا نجينا هوداً } [ هود : 59 ] بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود { فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحاً } [ هود : 66 ] وفي قصة قوم لوط { فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها } [ هود : 82 ] لأن قصتَيْ ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي تَوعّدَ به النبيئان قومَهما ؛ ففي قصة ثمود { فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعْدٌ غير مكذوبٍ } [ هود : 65 ] ، وفي قصة قوم لوط { إن موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريب } [ هود : 81 ] ؛ فكان المقام مقتضياً ترقب السّامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حلّ بهم على الوعيد به . وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكنّ الوعيد فيهما مجمل من قوله : { ويستخلف ربّي قوماً غيركم } [ هود : 57 ] ، وقوله : { وارتقبوا إنّي معكم رقيب } [ هود : 9 ] .
وتقدم القول في معنى { جاء أمرنا } إلى قوله : { ألاَ بُعْداً لمدين } في قصة ثمود . وتقدم الكلام على { بُعْداً } في قصة نوح في قوله : { وقيل بُعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.