قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } " ما " فى موضع نصب ، أى : خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام ، يعنى الخشب والحجارة وغيرها .
وقيل إن " ما " استفهام ، ومعناه : التحقير لعملهم . وقيل : هى نفى أى : أنتم لا تعملون ذلك لكن الله خالقه والأحسن أن تكون " ما " مع الفعل مصدرا . والتقدير : والله خلقكم وعملكم ، وهذا مذهب أهل السنة ، أن الأفعال خلق الله - عز وجل - واكتساب للعباد .
وروى أبو هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله خالق كل صانع وصنعته " .
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } يحتمل أن تكون " ما " مصدرية ، فيكون تقدير الكلام : والله خلقكم وعملكم . ويحتمل أن تكون بمعنى " الذي " تقديره : والله خلقكم والذي تعملونه . وكلا القولين متلازم ، والأول أظهر ؛ لما رواه البخاري في كتاب " أفعال العباد " ، عن علي بن المديني ، عن مروان{[25024]} بن معاوية ، عن أبي مالك ، عن ربْعِيّ بن حراش ، عن حذيفة مرفوعا قال : " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " {[25025]} . وقرأ بعضهم : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } .
وقوله : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه : والله خلقكم أيها القوم وما تعملون . وفي قوله : وَما تَعْمَلُونَ وجهان : أحدهما : أن يكون قوله : «ما » بمعنى المصدر ، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : والله خلقكم وعملكم . والاَخر أن يكون بمعنى «الذي » ، فيكون معنى الكلام عند ذلك : والله خلقكم والذي تعملونه : أي والذي تعملون منه الأنصام ، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحِتون منها أصنامهم . وهذا المعنى الثاني قصد إن شاء الله قتادةُ بقوله الذي :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ : بأيْدِيكُمْ .
{ والله خلقكم وما تعملون } أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ، ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد ، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون ، أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك ، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز .
واختلف المتأولون في قوله { وما تعملون } ، فمذهب جماعة من المفسرين أن { ما } مصدرية والمعنى أن الله خلقكم وأعمالكم ، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد وذلك موافق لمذهب أهل السنة في ذلك{[9876]} ، وقالت { ما } بمعنى الذي ، وقالت فرقة { ما } استفهام ، وقالت فرقة هي نفي بمعنى وأنتم لا تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا قبله ، ولا تقدرون على شيء .
قال القاضي أبو محمد : والمعتزلة مضطرة إلى الزوال عن أن تجعل { ما } مصدرية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ" يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه: والله خلقكم أيها القوم وما تعملون. وفي قوله: "وَما تَعْمَلُونَ "وجهان: أحدهما: أن يكون قوله: «ما» بمعنى المصدر، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: والله خلقكم وعملكم. والآخر أن يكون بمعنى «الذي»، فيكون معنى الكلام عند ذلك: والله خلقكم والذي تعملونه: أي والذي تعملون منه الأصنام، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحِتون منها أصنامهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المتفرد بالنعمة وهو المستحق للعبادة، وكان الإيجاد من أعظم النعم، وكان قد بين أنهم إنما عبدوها لأجل عملهم الذي عملوه فيها؛ فصيرها إلى ما صارت إليه من الشكل، قال تعالى مبيناً أنه هو وحده خالقهم وخالق أعمالهم التي ما عبدوا في الحقيقة إلا هي، وأنه لا مدخل لمنحوتاتهم في الخلق فلا مدخل لها في العبادة:
{والله} أي والحال أن الملك الأعظم الذي لا كفوء له {خلقكم} أي أوجدكم على هذه الأشكال {وما تعملون} أي وخلق عملكم ومعمولكم، فهو المتفرد بجميع الخلق من الذوات والمعاني، ومعلوم أنه لا يعبد إلا من كان كذلك لأنه لا يجوز لعاقل أن يشكر على النعمة إلا ربها.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واو الحال، أي أتيتم منكراً إذ عبدتم ما تصنعونه بأيديكم، والحال أن الله خلقكم وما تعملون وأنتم مُعرِضون عن عبادته، أو وأنتم مشركون معه في العبادة مخلوقاتٍ دونكم.
والحال مستعملة في التعجيب لأن في الكلام حذفاً بعد واو الحال إذ التقدير: ولا تعبدون الله وهو خلقكم وخلق ما نحتموه.
وخلق الله إياها ظاهر، وخلقه ما يعملونها: هو خلق المادة التي تصنع منها من حجر أو خشب، ولذلك جمع بين إسناد الخلق إلى الله بواو العطف، وإسنادِ العمل إليهم بإسناد فعل {تعملُونَ}.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هو خالق الأرض والسماء، ومالك الوقت والزمان، ويجب السجود لهذا الخالق وحمده وعبادته، إنّ هذه الحجّة كانت من الوضوح والقوّة إلى حدّ جعلتهم يقفون أمامها مبهوتين وغير قادرين على ردّها ودحضها، ومن المعروف أنّ الطغاة والجبابرة لا يفهمون لغة المنطق والدليل، ولهذا لم تؤثّر عليهم الأدلّة والبراهين الظاهرية والقويّة التي بيّنها إبراهيم (عليه السلام) على قلوب الجبابرة الحاكمين في بابل حينذاك، رغم أنّ مجموعات من أبناء الشعب المستضعف هناك استيقظت من غفلتها وآمنت بدعوة إبراهيم (عليه السلام).