الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ} (96)

قوله : { وَمَا تَعْمَلُونَ } : في " ما " هذه أربعةُ أوجه ، أجودُها : أنها بمعنى الذي أي : وخَلَق الذي تَصْنَعونه ، فالعملُ هنا التصويرُ والنحتُ نحو : عَمِل الصائغُ السِّوارَ أي : صاغه . ويُرَجِّح كونَها بمعنى الذي تَقَدُّمُ ما قبلَها فإنَّها بمعنى الذي أي : أتعبُدُوْنَ الذي تَنْحِتُون ، واللَّهُ خلقكم وخَلَقَ ذلك الذي تَعْملونه بالنَّحْتِ .

والثاني : أنها مصدريةٌ أي : خَلَقَكم وأعمالَكم . وجعلها الأشعريَّةُ دليلاً على خَلْقِ أفعال العباد لله تعالى ، وهو الحقُّ . إلاَّ أَنَّ دليلَ ذلك مِنْ هنا غيرُ قويّ لِما تقدَّم مِنْ ظهورِ كَوْنِها بمعنى الذي . وقال مكي : " يجبُ أَنْ تكونَ " ما " والفعلُ مصدراً جيْءَ به لِيُفيدَ أنَّ اللَّهَ خالقُ الأشياءِ كلِّها " . وقال أيضاً : " وهذا أَلْيَقُ لقولِه تعالى : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [ الفلق : 2 ] أجمع القراءُ على الإِضافةِ ، فدَلَّ على أنه خالقُ الشَّرِّ . وقد فارق عمرو بن عبيد الناسَ فقرأ " مِنْ شرٍّ " بالتنوين ليُثْبِتَ مع الله تعالى خالقاً " . وقد استفرضَ الزمخشري هذه المقالةَ هنا بكونِها مصدريةً ، وشَنَّع على قائلِها .

والثالث : أنها استفهاميةٌ ، وهو استفهامُ توبيخٍ وتحقيرٍ لشأنِها أي : وأيَّ شيءٍ تَعْملونَ ؟ والرابع : أنَّها نافيةٌ أي : إنَّ العملَ في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئاً . والجملةُ مِنْ قولِه : " والله خَلَقكم " حالٌ ومعناها حينئذٍ : أتعبدون الأصنام على حالةٍ تُنافي ذلك ، وهي أنَّ اللَّهَ خالِقُكم وخالِقُهم جميعاً . ويجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً .