قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } ، فإن قيل : أين جواب قوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ؟ قيل : جوابه قوله : { أولئك لهم جنات عدن تجري } ، وأما قوله : { إنا لا نضيع } فكلام معترض . وقيل : فيه إضمار ، معناه : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجرهم بل نجازيهم .
ثم ذكر الفريق الثاني فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : جمعوا بين الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات { إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } وإحسان العمل : أن يريد العبد العمل لوجه الله ، متبعا في ذلك شرع الله . فهذا العمل لا يضيعه الله ، ولا شيئا منه ، بل يحفظه للعاملين ، ويوفيهم من الأجر ، بحسب عملهم وفضله وإحسانه .
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها ، والراجع محذوف تقديره من أحسن عملا منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملا كما هو مستغنى عنه في قولك : نعم الرجل زيد ، أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملا لا يحسن إطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
قوله عز وجل : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } اعتراض مؤكد للمعنى ، مذكر بأفضال الله ، منبه على حسن جزائه بين قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقوله { أولئك } ، فقوله تعالى : { أولئك لهم جنات عدن } ابتداء وخبر جملة ، هي خبر { إن } الأولى ، ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر : [ البسيط ]
إن الخليفة إن الله ألبسه . . . سربال ملك به ترجى الخواتيم{[7805]}
قال الزجاج : ويجوز أن يكون خبر { إن } في قوله { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } لأن المحسنين هم المؤمنون فكأن المعنى : لا يضيع أجرهم .
قال القاضي أبو محمد : ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله { لا نضيع } على حذف العائد تقديره ، { من أحسن عملاً } منهم .
جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً مراعى فيه حال السامعين من المؤمنين ، فإنهم حين يسمعون ما أعد للمشركين تتشوف نفوسهم إلى معرفة ما أعد للذين آمنوا ونبذوا الشرك فأعلِموا أن عملهم مرعي عند ربهم . وجريا على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والترهيب بالترغيب .
وافتتاح الجملة بحرف التوكيد ( إن ) لتحقيق مضمونها . وإعادةُ حرف ( إن ) في الجملة المخبر بها عن المبتدأ الواقع في الجملة الأولى لمزيد العناية والتحقيق كقوله تعالى في سورة الحج ( 17 ) { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } وقوله تعالى : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } [ الجمعة : 8 ] ومثله قول جرير :
إن الخليفة إن الله سَرْبله *** سِربال مُلك به تُزجَى الخواتيمُ
وموقع ( إن ) الثانية في هذه الآية أبلغ منه في بيت جرير لأن الجملة التي وقعت فيها في هذه الآية لها استقلال بمضمونها من حيث هي مفيدة حكماً يعم ما وقعت خبراً عنه وغيره من كل من يماثل الخبر عنهم في عملهم ، فذلك العموم في ذاته حكم جدير بالتأكيد لتحقيق حصوله لأربابه بخلاف بيت جرير .
وأما آية سورة الحج فقد اقتضى طولُ الفصل حرف التأكيد حرصاً على إفادة التأكيد .
والإضاعة : جعل الشيء ضائعاً . وحقيقة الضيعة : تلف الشيء من مظنة وجوده . وتطلق مجازاً على انعدام الانتفاع بشيء موجود فكأنه قد ضاع وتلف ، قال تعالى : { أني لا أضيع عَمَل عامل منكم } في سورة آل عمران ( 195 ) ، وقال : { وما كان الله ليُضِيع إيمانكم } في البقرة ( 143 ) . ويطلق على منع التمكين من شيء والانتفاع به تشبيهاً للممنوع بالضائع في اليأس من التمكن منه كما في هذه الآية ، أي أنا لا نَحْرم من أحسن عملاً أجرَ عمله . ومنه قوله تعالى : { إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين } [ التوبة : 120 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.